عصر الترويض

ترويض البشر.. أصبح متعة.. تقوم عليها سياسة بعض الجماعات ... ينحتون منحوتات بشرية.. صنعوها أصناما ليعبدوا أنفسهم فيها.. يضعونها كأوسكارات في حياتهم ..
فما زادوا إلا أن قتلوا أرواحهم وشوهوا دواخلهم وأفقدوهم عزائمهم وسلبوا إمكانياتهم.. هذه السياسة التي أصبحت الحجر الذي يتعثر به الحر ليأخذ طريقا أصعب وأقسى ..
لكنهم لن يتوقفوا عن النحت والصقل حتى يتأكدوا أن أصنامهم أصبحت مهترئة.. وأنهم أمعنوا في النحت حتى اختفت معالمها.. أصبحت تتفتت تحت أيديهم.. وما عاد ينفع نحتها.. ولا تدرك أصنامهم حينها أن أرواحهم كانت قد قتلت عند أول طرقة..
ليتركوها تعود ترابا يداس تحت الأقدام ويبدؤون بنحت أصنام أخرى ليروضوا آخرين.. ما كان ذنبهم إلا أنهم وجدوا في محيطهم ...
كطير قصوا أجنحته ومنعوه من التحليق ...
البداية تكون مؤلمة.. سيحاول التفلّت وسيستبدل جناحيه بأوراق ثم سيقنع بالمشي البطيء وهو كاره لمروضيه.. سيغضب في داخله ولكنه سيخرس.. ثم 
سيستسلم.. ولكنه سيكتم غريزته وفطرته التي ما تلبث أن تتحول لغريزة أخرى لم يكن عليها.. سيحب مروضيه في النهاية ويلتصق بهم.. فلم يبق له ملجأ غيرهم.. أو هكذا سيظن ...
مثلما يكون عندك معدن نفيس تقرر أن تغير خواصه لتكتشف أنه ما عاد نفيسا ولا متفردا.. أصبح مجرد حجر تركله ليصبح عائقا في طريقك وعبئا عليك..
وهناك من لا يقبل بالترويض سيدافع عن حريته ووجوده البشري وسينتفض ضد التعدي على حدود انسانيته.. ثم سيروج المروضون لسياسة الترويض فهو ضرورة العصر وحاجة الوجود.. سيقنعون العالم أنهم يريدون الخير ويرفعون شعارات رنانة.. ويتغنون بإنجازاتهم ...
وأما الحر سيفكر ويعبر ويجمع الأحرار ليواجهوا هذه السياسة ...
برفع شعار #‏لا_للترويض



قضايا في المزاد

قضايا في المزاد
يتكالب على المزادات هواة جمع السلع والتحف الثمينة، يتسابقون لاقتناء أجمل التحف وأنفسها، لتنتقل هذه النفائس من قصر لآخر؛ ليحتكر جمالها البعض ويتفاخرون بتميزهم على غيرهم، وغالبا يفوز من لا يدرك قيمتها ولا يفهم بالفن حقيقة.
لا يعرف كيف تشكلت ألوانها أو ما شعر مبدعها عند صنعها ولا ما حفزه على ذلك..
ولا يعلم أنه عندما احتكرها أفسد جمالها عندما حرم الآخرين من النظر إليها.. فجمالها عندما يتشارك الجميع روعتها ..
في زماننا "زمن الدجل" هذا ما أصبحت عليه قضايا أمتنا، تحولت إلى سلع يزاود الكثير عليها لاحتكار قيمتها ..ويظن أنه يخدمها إن أثبت أنه فريد باهتمامه ومتابعته لها.. وأن لا أحد غيره يدافع عنها ..ويفوز بمزاد القضايا أكثرهم كلاما وأعلاهم صوتا وأشدهم تشدقا وأتقنهم برفع الشعارات الرنانة.. فيختزل قضايا الأمة بمجموعة خطابات سطحية..
وتخسر القضايا المدافعين الحقيقيين عنها لزهدهم بمناكفة الكاذبين والمدعين ومللهم من المساومين على أمتهم ..
وتبقى القضية معلقة بيد أهل المظاهر.. الذين سلبوها من يدعمها ويحرص عليها ومن يدرك قيمتها ..
اللهم حرر قضايا أمتنا وضمائر شعوبنا..





شموخ وردة

شموخ وردة
نزلت إلى الحديقة لتسقي ورودها.. هالها ما رأت..
  تفتحت كل الورود إلا الحمراء.. لقد نضبت الحياة فيها وذبلت أوراقها..
غريب.. كيف تفتحت الألوان كلها الصفراء والبيضاء والبنفسجية..
 إلا الحمراء؟ أمن الممكن لأنها سقتها بدموعها؟
كانت تحرص كل يوم أن تنزل وتفرج عن مكنونها عند هذه الشجرة خصيصا
ربما لأن اللون الأحمر يذكرها بقلبها الدامي.. ذبل الورد الأحمر كما ذبل قلبها ونضب..
أهملت ورودها كما أهملت قلبها، دون قصد، كانت تظن الرعاية أن تسقيه من روحها، وكان كيانها السقاء، إلى أن نضب وخفت ضوؤه..
 وكيف لكيان أن يعيش بلا سعادة.. وكيف لقلبها أن يسمو بها فوق الأحزان وهي تذكره كل يوم بماضيها الحزين..
غادرتها البسمة منذ زمن واستبدلتها بالأنين وشهقات اغتالت نفَسها..
وجدت راحتها برعاية ورودها.. تشذبها وتقلمها وتنظف تربتها من الأعشاب الضارة وتسقيها..
 ثم تجلس عند الوردة الحمراء تفضفض لها وتحادثها..
لعل الورود كانت تعسة من حديث صديقتها فما لبثت أن فارقت الحياة..
هذه الورود عندها الشجاعة التي فارقتها.. واجهت مصيرها شامخة رأسها ولم تنحن..
هل قتلت صديقتها بحديثها؟ كانت تحبها وترتاح بجانبها وتضمها براحتيها..
وكانت وردتها تستمع لحكاياتها دون تذمر..
ولكنها بدل أن تستمتع بوردتها وجمالها.. كانت تشكو لها كلما رأتها..
فلم تحتمل أن تستوعب كل هذه المعاناة.. لم تخلق لذلك..
بل لتمنحنا الجمال والرائحة العطرة..
يا لخجلها من ورودها.. كم كانت أنانية.. فكرت بنفسها ولم تهتم لما تحس به ورودها..
ثم فجأة هيئ لها أنها سمعت همسا.. إنها وردة بها بقايا حياة..
تقول لها: هوني عليك.. فإنما انتهت أيامنا يا صديقتي.. وأنت عليك ان تدركي العبرة
أن عليها أن تواجه دنياها كهذه الوردة الشجاعة.. إما أن تبقى لتمنح جمالا لكونها أو ترحل بصمت..
عليها أن ترفع رأسها ولا تستسلم لشجون قلبها..

لا بأس إذا ستعيد زراعة الشجرة الحمراء وسترعاها بحق بصمت وحنان وستكون نعم الصديقة لورودها وحديقتها..  ولقلبها أيضا...لأن الحب هو العطاء أو الرحيل بصمت

دورة المشاعر


دورة المشاعر
 دورة المشاعر لها تقلبات .. بين مد وجزر
تعصف الرياح في خريف الأيام تتطاير وتتشتت الأفكار
ثم تتلبد المشاعر وتتكاثف الدموع فتهطل ..
غاسلة فيها كل ما ساقته رياح الكدر ..
وتسقي ورود الآمال والأحلام ..
ثم تتلاشى التيارات وتختفي الدوامات ..
وتستقر الأجواء ويعم الهدوء..
تتفتح البراعم
 ليحل ربيع الأيام ..
حكايتي تحكي كل الفصول ..فصول العمر 
خريف وشتاء وربيع وصيف..
وفي كل فصل حكمة ..
تكتبها خيوط الشمس حين تتسلل كل صباح يوم جديد..
كأن سحابة صيف حطت وتزول سريعاً لتشرق الشمس فيها ..
تضيئ مبصرةً حقيقةً جديدة تنساب على الأوراق..
تتبخر محيطات النفس لتعود وتتكاثف في سماء القلب من جديد..
ليتزاوج القلم مع صفحة الحياة وينجبا أطروحات أحياناً 
وأحياناً تتولد أجمل اللقطات وأنقى الصور ..
هي مد وجزر ولكن هي نعمة تستحق الحياة .

خوف ورجاء

خوف ورجاء
كان قلبها مشرعا لنوافذ الإرهاب، لكل رياح التهديد وفزاعات البرية، ولكل يد خفية قلبت شغاف قلبها وحلت محل الأوردة والشرايين لينبض قلبها خوفا وألما وحزنا يهيم في صحراء أحاسيسها، ليحيل النبض إلى طنين مزعج ينذر بالخراب.
كانت خطوة واحدة نحو النهاية، لتنكسر قواعدها ويخر بنيانها.
ولكنها قررت أن تكون هذه الخطوة عكسية باتجاه النوافذ، وبكل عزمها أغلقت النوافذ، فقطعت اليد وصدت كل الفزاعات، سدت كل الثغرات، فاستقر النبض واختفى الطنين، وسكنت بطينتاها.
لم تكن خطوة عشوائية بل بعد إدراك أن هذه اليد كانت يدا شيطانية، بعد أن سيطرت بالخوف على كيانها، وأنستها أن لا خوف إلا من عذاب الله، وأن ذكر الله هو سبيل التحرر.

لجمت خوفها وفتحت ستائر النور، لتنير كل الأرجاء، حتى وصل الضوء أماكن كانت قد أصابها العفن.
 حينها تبدل كل شيء.
هناك أصبح بدل الخوف رجاء، وبدل الحزن أملا وتفاؤلا، وبدل الألم حبا ورحمة.
الآن ذاقت طعم السكينة والسعادة، فأرسل القلب إشارات لعقلها ليبدأ برنامجا جديدا.
برنامجا يبدأ بالاستغفار وينتهي بالرضا، يرسخ معان أخرى تتضمن ولاية جديدة تمسك بحبل الله، فيد الله أعظم قوة، وقدرة لا تفوقها أخرى.
واملها أن تبلغ المنتهى ويحل الرضا فتدخل تحت أستار المولى فيمن قال فيهم:

{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} 


بساط الريح

بساط الريح
في صباح يوم مشمس جميل استيقظ معين مفعم بالنشاط، يشغله هذا الحدث العظيم، استعد، لبس، ثم وقف أمام المرآة، ينظر لنفسه، هل يستحق فعلا أن يشهد هذا التكريم؟ هو كان يطلب شيئا في السابق يغير من حاله، كان يريد حدثا يبعث فيه الهمة، توقف عن التفكير وخرج مسرعا من بيته نحو المرجة الخضراء، حيث الموعد في تمام العاشرة صباحا، ظن أنه أول الواصلين، لكنه تفاجأ بالحشد العظيم الذي سبقه، تدافع الجميع، ويأمل كل منهم أن يكون أول الصاعدين، وخلال دقائق معدودة كانت الحشود المتدافعة في وسط المرجة.
بدا المنظر مهيبا من بعيد، كانت تراودهم الشكوك حول صدق الإعلان الذي تردد على أسماعهم منذ أيام.
بدأ الشك يتلاشى حينما وقعت أنظارهم على هذا البساط الضخم الماثل أمامهم، هو بساط الريح لا شك.
قبل أسبوعين تم الإعلان عن اكتشاف بساط الريح مع تنويه أنهم سيقومون بتنظيم رحلة مجانية حول العالم لمن سيقع عليهم الاختيار، وأن على الجميع التواجد في الموعد والمكان المحددين ليكونوا ضمن شريحة المرشحين.
في تمام العاشرة أطل عليهم المسؤول عن التنظيم وأشار للجميع أن يصطفوا بنظام وإلا تأجلت الرحلة.
وأخبرهم أنه سينتقي منهم عشوائيا، فانصاع الحشد واصطفوا.
كم هو محظوظ من سيقع عليه الاختيار.
بدأ المسؤول بالاختيار، وقد تقصد أن يكونوا متنوعين من كل الفئات: أطفال وشباب وشيوخ، رجال ونساء، أغنياء وفقراء، فهذا إرث تاريخي وعلى جميع  الفئات المشاركة فيه بما لا يزيد عن خمسين شخصا.
وكان على كل من يقع عليه الاختيار التقدم للأمام، قبل أن يقوم المساعد بوضعهم في المكان المناسب على البساط وجاء اسم معين في وسط المختارين، أخيرا، كانت الفرحة لا تسعه، ركض باتجاه البساط، وتم وضعه في الدائرة المتطرفة قرب الحافة، وكان سعيدا لأنه سيرى كل شيء بشكل أوضح، بعد فترة وجيزة كان المسؤول قد أتم المهمة، وكل من لم يكن ضمن الصاعدين أصيب بحسرة شديدة، لكن عزاءهم كان أنهم سيشهدون هذا الحدث التاريخي، يكفي أنهم قد تمكنوا من رؤية ما ظنوه في السابق أسطورة تحكى لهم في الروايات.
وبالفعل صعدوا وأخذ كل مكانه تحت نظر المراقبين من الجمهور الحاشد،
وضع الأطفال في الداخل في الحلقة الأولى مع أمهاتهم، ثم الشيوخ من الرجال والنساء في الحلقة الأوسط، ثم الشباب في أوسع حلقة لأنهم الأقوى على تحمل ضغط الهواء.
وكان العدد محدودا ليتاح للجميع رؤية ما يحلق فوقه البساط،
ولكنهم لم يفصلوا إلا حسب الطبقة العمرية، وليس حسب الطبقة الاجتماعية، وكان ضمن الطبقة المرفهة أختان صعدتا وصنفتا حسب الفئة العمرية الكبيرة أي جلسوا في الحلقة الوسطى.
وكان أنهما انزعجتا لخلطهما مع الطبقات الاجتماعية الأخرى وتململتا، حاولتا الاعتراض، ولكن المسؤول أجابهما أن ما سيرونه خلال الرحلة كفيل أن ينسيهما هذا الفارق وهي فرصة يتساوى بها الجميع، وأخبرهما أن بإمكانهما النزول واختيار غيرهما، فاضطرتا للسكوت على مضض.
وقف المسؤول ليؤكد أن هذه الرحلة منفردة وقيمة وأن هذه البساط سيوضع في المتحف بعد العودة وأن على الجميع الاستفادة والتمتع أيضا قدر المستطاع، ونصحهم أن يقتربوا من بعضهم حتى لا يشعروا بالبرد الشديد ثم وزعوا عليهم سترات خاصة لتحمل برودة الجو في الأعلى.
كان الجميع في غاية السعادة لهذه الفرصة، إلا الأختين، تكرر انزعاجهما من توزيع نفس السترة للجميع، وفضلتا التحدث عن ذلك بينهما حتى لا ينزلهما المسؤول.
ثم سكت الجميع عندما بدأ المسؤول بتحريك مقدمة البساط  بشكل عامودي وبحركة سريعة، وهو ما وجدوه مع البساط مكتوبا على ورقة بداخلها بيان كيفية ارتفاعه وهبوطه والتحكم بحركته، ثم شعروا جميعا ببدأ ارتفاع البساط تدريجيا. 
كان التعبير الوحيد الذي ظهر على وجوههم هو الدهشة، كانوا يتلفتون حولهم وهم يبتعدون تدريجيا عن الأرض، بدأت الأشياء تصغر كلما ارتفع البساط، البيوت والحدائق والشوارع.
إلى أن اختفت معالم مدينتهم، كان المقرر أن يزوروا بعض الآثار من الحضارات القديمة، وبعض المدن المشهورة، والأماكن الطبيعية الخلابة.
حينما كانوا يمرون على أمور تستحق المشاهدة ينبههم المسؤول للنظر والاستماع لشرح المرشد.
أما الأطفال فكانت الأمهات تحاولن الشرح لهم، والشباب اعتبروها لحظات عابرة من المتعة إلا بعضهم، أحدهم كان معه قلم وورق يدون عليه الملاحظات وآخر معه كاميرا ليلقط أجمل اللقطات ليريها لأقرانه عند العودة، وهناك من حمل دفتر رسم ليشخص ما مر أمامه، واحد فقط اختلفت تعبيراته، كان صامتا وهادئا ويظهر عليه التفكر والتدبر وهو معين.
وأما فئة كبار العمر، فكانت الأختان عادتا لحركاتهما، تنتقدان هذا وذاك، لم تتجاوزا أي أمر دون عمل بلبلة، هذا ماذا يلبس؟ وهذا كيف يجلس؟ وحتى خيوط البساط العتيقة لم تسلما من نقدهما، وتجرأت إحداهما لتذكر كيف عليهم تنظيف البساط العتيق ليعود له بريقه ولمعانه، يا الله كم أنهما مزعجتان!! هذا ما كان يجول في بال المحيطين ممن لم يتجرأ على النطق حتى لا يتحمل سلاطة لسانهما.

مر على بداية الرحلة يومان وعندما يحين وقت النوم يتوقف المسؤول ليعلن أنهم سيتوقفون عن الحركة للمبيت، ويأخذ الجميع أغطية تحميهم من البرد.
خلالها خرج صوت اعتادوا عليه جميعا يقول:

"أيها المسؤول هذا غطاء بسيط.. لا يليق بمكانتي، لقد اعتدت على الفراش الوثير، ألا تعلم من أنا؟؟ أعطني غير هذا الغطاء "
وما كان من المسؤول كلما سمع صوت إحدى الأختين غير أن يسد أذنه ولا يعيرهما الاهتمام إلى أن تقنعا بأن لا جدوى من كثرة تطلبهما.
بدأ المحيطون بالأختين المتباهيتين بالامتعاض، لم يسنح لهم أن يسمعوا المرشد الذي كان يشرح عن المناطق التي يمرون بها، وعلموا لاحقا أنهم اجتازوا برج إيفل في باريس وبرج بيزا المائل في إيطاليا والمناظر الطبيعية الخلابة في أوروبا كلما التفتوا لينظروا ويسمعوا تبدأ الأختان بعمل بلبلة، والبعض منهم بدا عليه الإحراج لبساطة لباسه أمامهما عند كل نظرة ازدراء تطلقها إحدى الأختين، بدؤوا بتغطية لباسهم وحاولوا كسب ودهما، إلا معين لم يشد انتباهه شيئا من كل الأصوات، إلا ما كان يرى، كان ينظر ويتفكر في خلق الله، سبحانك ما خلقت هذا باطلا، وكلما رأى مشهدا كان يربطه في الأحداث التي تعلمها ويتذكر الأحداث وينظر هنا حصل كذا وكذا، وكان يستفيد من شرح المرشد ليتذكر بعض ما نسي.
لاحقا في الأيام التالية مروا على عجائب الدنيا السبع القديمة في مصر وبابل واليونان وتركيا  
الهرم الأكبر ومنارة الاسكندرية في مصر والحدائق المعلقة في بابل وهيكل أرتميس وضريح موسولوس في تركيا وتمثال زيوس ورودس في اليونان، وكان المرشد قد تحدث عن تاريخ كل منهم..
وكلما عبروا فوق معلم طبيعي شرح عنه، البحيرات السبع، جبال الهمالايا، جبال الألب..
وعبروا فوق سور الصين العظيم، ونال نصيبا من الشرح أيضا 
وكانت فئة الشباب ما زالت تستمتع بلا إدراك لقيمة كلما مروا عليه إلا الشاب معين المتفكر الذي سمع وحفظ كل شيء.
 وكانت الأمهات تحاولن الشرح لأبنائهن وهم مع ذلك يطعمونهم ويسقونهم ويتحملن صراخهم خلال ذلك، ففوتن كثيرا من الشرح، وهم يعلمون أبناءهم قيمة الرحلة.
وأما فئة كبار العمر أدرك العديد منهم أخيرا أنهم لن يفلحوا إلا بإهمالهم الأختين وعدم الاستماع لشكواهما وانتقاداتهما، فطلبوا من المرشد أن يستخدم سماعة بصوت عال ليطغى على صوتيهما.
التف حول الأختين بعض ضعاف النفس وأمضوا الرحلة وهم في نفاق، والباقي تقدموا للأمام قليلا ليستمعوا؛ فأدركوا نصف الرحلة. 
بعد عشرة أيام وقبيل انتهاء الرحلة شكر المسؤول والمساعد والمرشد الجميع، قالوا أن الرحلة بلغت نهايتها وأنهم سيعودون الآن خلال يوم وليلة سيكونون في الديار، جفل الجميع لهذا الخبر، حاولوا تذكر الأيام العشرة كانت سريعة جدا لم يشعروا بها، كيف انتهت فجأة؟؟ إلا معين كان مرتاحا لأنه لم يدع شيئا يفوته أبدا، كل الرحلة كانت في ذاكرته.
وبالفعل بعد يوم وليلة، حط بساط الريح في وسط المرجة الخضراء، وكانت الحشود في استقبالهم، بدأ الركاب في النزول، ووقفوا جميعا أمام البساط، حيا المسؤول الجميع، وأعلن أن من استطاع من الركاب أن يقص هذه الرحلة للحشد بالتفصيل سيستلم أكبر جائزة ويأخذ وساما شرفيا، وسيأخذ البقية هدايا على قدر مساهمتهم بإيصال المعلومات.
واصطف الجميع بالترتيب حسب معلوماتهم، فكان الشاب معين المتفكر هو الوحيد الذي استطاع وصف الرحلة بكاملها، وصفا دقيقا، وأما كبار السن فبعضهم استطاع وصف نصف الرحلة، وأما الأختان فكان ترتيبهما في آخر الصفوف وقد أصابهما الخزي أمام الحشود من مرتبتهما البعيدة وكان معهما المنافقون يقفون معهما بعتب، لأنهم أضاعوا الرحلة ينافقون لكسب رضاهما.
تسلم معين الجائزة وهي منحة مالية كبيرة، مع درع تقديرا له، ثم البقية استلموا على قدر معلوماتهم، وأما من لم يصف شيئا فقد تقرر تجريدهم من مزاياهم الاجتماعية، لأنهم حرموا آخرين من هذه القيمة ولم يستفيدوا منها.
تقدمت الأختان على أمل الحصول على شيء، ولكن بدل الهدية اقتادوهما إلى حجر اجتماعي، لأنهما صنفتا كمشاغبتين منعتا مسير الرحلة بشكل حضاري.
وأما معين فكانت جائزته الحقيقية هي المشاركة بحد ذاتها، فقرر أن يعيد صياغة حياته لأن كل لحظة في هذه الحياة هي حدث وهو تكريم، فهذه الحياة هي بساط ريح أكبر وأعظم، ولن يفرط في وقته عليها، ليستلم جائزته الكبرى في الآخرة وهو الوسام الذي يستحقه.
 كانت هذه الرحلة البداية عند البعض وكانت نهاية آخرين لم يعرفوا قيمتها ويقدروها حقا، كما هي حياتنا على هذه الأرض قصيرة فلا ننسى وطويلة لنعمل ونجد.


{اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو وَزِينَة وَتَفَاخُر بَيْنكُمْ وَتَكَاثُر فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد كَمَثَلِ غَيْث أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاته ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُون حُطَامًا وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد وَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرِضْوَان}







بين موجتين

جرفتها أفكارها وغرقت في خضم مشاعرها وجدت نفسها أمام شاطئ البحر ..وقفت على حافة البحر تتأمله ..هل اقتادتها خطواتها قصدا أم سهوا إلى هذا المكان ؟؟ هل جاءت تواجه خوفها أم تهرب منه؟؟ كانت سابقا تعتقد أن البحر غير آمن ...والآن تنشده بحثا عن لحظة أمان في هذه الفوضى العارمة في حياتها..تريد أن تعيد تصفيط ملفاتها ..ذكريات مبعثرة هنا وهناك ..هنا غضب وألم وهناك فرح وسعادة وبينهما مشاعر مختلطة دفينة ..نفضت عن كتفها وشاحها لعلها تنفض معه تعب الماضي وأعباء الحاضر ..وفكرت لحظة قبل مد قدمها تتلمس برودة المياه ..ترى ما يمنعها لو رمت بكل جسدها وانطلقت داخل أمواج هذا العباب .. ألأنها لم تتعلم السباحة ؟؟ وما الفرق ؟؟ فهي لم تتعلم كيف تعيش على هذه الأرض أيضا ..وها هي في كل صباح تستيقظ لتواجه الحياة بكل صعوباتها ..ترى كيف يكون الاختناق في الماء ؟؟ وهل يختلف عن الاختناق من تحمل أطباع البشر ..أم حدة أسنان القرش تختلف عن حدة جبروت الإنسان ؟؟ هل تخاف الموت أم الاستمرار في الحياة أكثر ؟؟
هي تقف على الحافة بين البحر واليابس ما بين المنطقتين ..هناك منطقة تسمى الأمل ..هنا يبدأ التفاؤل وهنا ينتهي ..هنا ترمي كل خوفها وهمومها في البحر ..لعله طعم تصطاد به لحظات سعادة ..هنا هي ملكة ..وصيفاتها نسمات بحر عذبة..وخدامها رمال رطبة ..أمسكت حصاة وقذفت بها في الماء ..كم هو جميل أن يستوعب البحر أخطاءنا.. نرميه بالحصاة فيبتلعها ولا يترك أثرا ..لو كانت أخطاؤنا على اليابسة تبتلع وتمحى بلا أثر لكانت الحياة أجمل..وكيف إن كنا قساة مع أنفسنا؟؟ كيف سيرفق بنا الآخرون ؟؟..كيف وقد تشوهت أرواحنا من آثار حصوات الماضي ..علمت فيها ندبا لا تزول..

بين موجتين٢

بين موجتين 2

اعترف أني ما زلت أتعلم ولم أبلغ قطرة في فيضان الدنيا المائج .. بل حتى لم أبلغ مدارك نفسي ..ما زلت أحاول سبر أغوارها. 
من أنا؟ لماذا أنا؟ متى وأين وكيف ينتهي العبء وأدرك سلامي الداخلي؟؟
 هل أنتظر النهاية؟؟ أم سأستسلم وأرمي أحمالي وأهرب؟؟؟
 وكأني أسبح في محيط ماء عظيم، وأتحرك مع التيار تارة  وضده تارة أخرى، وفوقي  أحمال ثقيلة أعجز عن تركها.. 
أبحث عن بحر أو بحيرة أو ميناء لأرسو وأضع أثقالي ..

ولكن .. ولا مرة نظرت للأسفل نحو العمق ..نحو النهاية..
 هذا الخوف الذي يقيدني، خوف من نهاية الأعماق ..
لا أعلم هل هي عميقة حقا؟ أم ضحلة؟ 
 أم أن النهاية مجرد هاجس يدفعني أن أبقي نفسي في المكان الأقرب للبر؟؟
تعلمت أن أستمر في السباحة في كل حال على أن أبتعد  عن الأمواج العالية حتى لا تقذفني حيث لا أدري، فقد لا أتمكن من العودة ..
وكلما تفاديت موجة فرحت وتفاخرت ..ثم أدرك أن اعتلاء الموجة هو الأصعب وليس تفاديها..
 وتذكرت ضعفي وقلة حيلتي ..لا بأس طالما لا زال بعض الجلد ..قد أتمكن يوما من اعتلاء موجة ..كل ما يهم هو أنني أستطيع التعلم ..المهم أن أستمر في الحركة ..
وكلما داخلني يأس وفكرت في التوقف تذكرت خوفي من الأعماق ..فالتوقف يعني الغوص نحو العمق ..نحو اللانهاية أو النهاية لا أعلم ..
وفي هذا الحوض العظيم أنهار تصب في المجهول ..وكما ابتعدت عن الموجات العالية.. وكما امتنعت عن النظر إلى الأعماق.. تفوقت في الابتعاد عن هذه المصبات..

لعلي أرسو على شاطئ الأمان في يوم..

 كيف يكون وضع الأثقال وكيف يكون عدم الشعور بالأعباء؟؟


سأستمر في ترديد بعض الأقاويل لنفسي..أنني سأبلغ البر يوما وفي يدي أحمالي التي كانت دافعي للصمود ..سأضعها وأستقر على الرمال الجافة ..كما حملتني محيطات نفسي سيحملني بر الأمان يوما ..لألقي بظهري عليه وعيوني ترمق الفضاء الرحب .. لن أضيق رحبا فكل ما على الأرض واسع كما خلقه الله لنا ..سمائي على مد البصر هذه حدودي وهذا هو إدراكي ..سأتفادى الحفر كما تفاديت الموجات العالية ..
سأبدأ هناك ..
ولن أخاف النظر للأسفل أوللأعلى .. إلى النهاية أو اللانهاية ...







على نقرات التانغو

علی نقرات التانغو


جلس زوجها علی الكنبة عائدا من عمله ..كان يهم بالذهاب للنوم .. عندما قررت ألا تطوي هذه الليلة قبل أن تفرغ مكنونات قلبها ..ولكن كيف ستخبره ؟؟ تذكرت خلافات الليلة الماضية والتي قبلها ..بل خلافات كل ليلة...أخيرا تمكنت من أخذ قرار..وهو الرحيل ..هل سيدعها تذهب هكذا بلا عناء؟؟ ..هل سيكون هادئا ؟؟ أم ستتحمل صياحه لليلة أخری..آه كم اشتاقت للهدوء ..
ثم فجأة قالت له ..عزيزي لما لا نرقص التانغو ..هيا سنختم بها هذه الليلة ..نظر متعجبا ..ماذا ؟؟ قالت لقد اشتقت أن أرقصها ..هيا لن أتعبك ..سأكون بطيئة لأواكب حركتك ..ثم بعد جهد قام ..حركت الموسيقی ..فمد يده والتقط يدها ..قالت يا عزيزي هكذا بدأت حياتنا ..عندما طلبت يدي من والدي فضحك ..لم يدرك مغزی الكلام عندها ..ثم انتقل للحركة الأخری واقترب منها وشدها لصدره ..قالت وهكذا كنا في بداية حياتنا بهذا القرب...كانت حياتنا لوحة رومنسية جميلة..تعمق بوجهها متذكرا الماضي ..ثم انتقل للحركة التالية ليبتعد قليلا قليلا ..وظل ممسكا يدها ..فقالت أما الآن فهذه حياتنا ..إنما هو ارتباط ظاهر ..هذه اليدان المتماسكتان هي آخر المطاف قبل الافتراق ..فهم ما تريد ..إذ أن الحركة التالية كانت الابتعاد والدوران بعيدا ..لكنه ظل ممسكا يدها ..حاولت أن تفلت يدها فلم تستطع ..
قال يا عزيزتي كنت دائما أعول علی قوة تحملك ..وكم كنت سندا لهذا البيت..كنت أنا من أتفلت وكنت أنت من يشد علی يدي ..هل تظنين أنني سأدعك الآن تنفلتين من يدي ؟؟ حان دوري الآن ..سأتمسك بك ولن أدعك تهربين
أجابت ولكن أنا تعبت ..من الجدال والكلام والثرثرة . والأكثر من صياحك..فشدها مرة أخری لقلبه قائلا ..لو بقينا بهذا القرب ..لن ندرك معناه إلا بعد فسحة ثم أبعدها قليلا لتدور ثم قربها..هذه الفسحة لندرك ما فقدنا ..لا بد أنني تغيرت مع هذه السنين ..كم روضتني وقد كنت أهوجا والآن هي بعض تنفيسات تخبو كل يوم..تأكدي ..سيأتي يوم لن تسمعي فيه صوتي سنكون رحلنا عن هذه الحياة ..ولكن أفضل أن يأتي وأنا بجانبك ..ما لبثت أن امتلأ وجهها بالدموع ..حقا هي لا تريد الافتراق ..إنما تحتاج بعض الفسحة

جسر الذكريات


جسر الذكريات
بسم الله الرحمن الرحيم
يقبع هناك في الذاكرة فائض من الألم المشوب بأعباء الماضي يتحدر بعمق في حنايا الأحاسيس يتغذى من الندم والغضب ولوم للنفس أكثر منه للآخرين ..يفسد علينا التمتع في لحظات الصفاء ..تلمع فجأة فكرة من الماضي تنساب بين لحظات البهجة لترهق أفكارنا ...تعوق تقدمنا وتخدم زيادة القلق ونعجز عن دفعها حتى تتحكم بنظرتنا للأمور ..ونتمنى لو أمكن أن نعزلها ونحجر عليها ولكنها تبقى هناك..
 كجسر تعبر عليه لتصل بر الأمان فتعصف الرياح ويهتز وتظن أنك لا محالة واقع فوق كومة شوك ..
وفي خضم الذكريات أتمنى لو كان هناك مصل لفقدان بعض هذه الذاكرة أو تعويذة لمنع التفكير ..أنسى أحداثا أو أشخاصا سببوا هذا الكم من الألم ..
الحقيقة أنني بحثت عنه ..سمعت عن تعويذة النسيان في مكان ..ثم توقفت عندما تذكرت أن هذا الألم أنتج إيمانا يفيض بقوة التمسك بحبل الله وأعطاني العزيمة لمواجهة هذه الصعاب التي تشكلت لأكون بهذه العزيمة  لصد العوائق والعقبات ..
وتذكرت أنني سأنسى هذا الإيمان بالمعية وأنسى لحظات لا تعوض ببقية العمر ..وقد ينقلب الإيمان إلى ضعف ولا مبالاة وقلة صبر ..سأنسى دروس الحياة التي تمنعني من الوقوع في الخطأ الآن وقد أكررها وأعود لنفس النقطة مرة أخرى ..
عدلت عن فكرة النسيان لأنه سيعني ضياع مقتنياتي الفكرية وقناعاتي ..
وكما سأنسى كرهي سأنسى محبتي وهي أغلى على قلبي ..
علمت الآن أن أسباب الحياة أكثر وأعمق من كل موروثات الحقد والألم ..وأسباب الشفاء تكمن بأسباب الشقاء ..منها يصدر الإلهام والعطاء ..
سأتمسك بأحبتي وسأكمل بهم طريق السلام الداخلي الذي سأشتقه من جذور الذكريات ..ليرثوا عبرة من كفاحي و يقيني أن لا يأس مع الحياة ..
وأن الحب لن ينضب بل سينبض أبدا ليشع نورا في طريق المحبين في الله..