سورة ص

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ص

بالعودة إلى تسلسل آيات السورة نجد أن الموضوع يتمحور على محورين هما: الأول  أدب الصبر على ذكر الله بأشكاله من عبادة جسدية أو معنوية في حال الرخاء أو الشقاء والثاني أن الملك والعزة لله ..وليس صاحب البلاء بأولى من المنعم  بالصبر والذكر فهما في البلاء سواء وقد يكون أصعب على أهل النعم تذكر الله في كل وقت لانشغال حالهم بنعمهم أما المبتلى فشقاؤه يحفزه للدعاء في كل وقت ومع ذلك فالخطاب جمعهم في مركب واحد  .فأما المبتلى فهو في حال صبر وتذلل دائم لله وأما المنعم عليه فعليه أن يروض نفسه على الصبر والتذلل بالشعور بالتواضع والاعتزاز بالله في كل حال ... لذا خص الله  أيوب بتعظيم صبره ومعلوم ابتلاؤه العظيم بصفة الصبر والتذلل ، وخص داوود وسليمان وهما نبيان ولهما من النعم ما حجب عن أغنى أغنياء ملوك الارض..  ومع ذلك فقد خصهما الله عز وجل كلاهما بالصبر على إقرار العبودية لله والتذلل له وعدم السهو والانشغال وأن العزة لله مهما بلغ ملكهما .
وفي السرد القرآني للسورة نلاحظ اختلاف أسباب الصبر عند المؤمنين واختلاف أسباب عدمه عند الكافرين ..فعند المؤمن  بدأ  بتذكر قيمة ما نملك وتوكيل الله فيه..والصبر على التواضع لله والحكم بحكمه كما عند داوود ..والصبر على عدم الانشغال عن طاعة الله كما عند سليمان ..ولعل جمع الصبر والتذلل مع التواضع في حال الملك والغنى أشد منه في حال الضعف والمرض لذا وردت قصتان في هذا الموضع ..ثم الصبر في حال الشدة والابتلاء الجسدي والمادي ..وأخيرا الصبر على الدعوة لله بلا كلل كما هو عند جميع الانبياء عامة والنبي محمد عليه السلام خاصة لأن الآيات تخاطبه ..
أما أسباب عدم الصبر عند الكافرين فهو الاعتزاز بالنفس بدل الله ، وكثرة الشقاق والخصام التي تورث النفس كفرا ونفاقا ،ثم الاستكبار كما  عند ابليس الذي أورثه استكباره قنوطا ويأسا لأنه ظن بمقارنته نفسه مع الله أنه يخضع لنفس القوانين وحاشا لله فاستكبر وحسد آدم وهذا ضد الصبر، وهذا ما أصاب الأمم الكافرة التي طال عليها الأمد وابتعدوا عن مصدر المنهج كعاد وثمود وآل فرعون فما نفعهم تعنتهم عند وقوع العذاب ..فلم يصبروا آنفا ليصبروا عليه في وقته
أولى الآيات  {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) } وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَءُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
 تبين لنا المنهج الرباني في وصف المشركين وخطابهم للرسول عليه السلام بتبجح حول دلائل ملك الله وربوبيته ، فكيف خص الله نبوته للرسول الكريم من بينهم ومسوغهم بذلك عزتهم بأنفسهم وشقاقهم وتحالفهم ضد بعض فعتوا  وتجبروا وظنوا أن آلهتهم التي صنعوها تنصرهم من الله ، بل دعوا للصبر على الآلهة فعكسوا أدب الصبر وأخرجوه عن مكانه. فكان رد الله الذي له خزائن السماوات والأرض ..ألهم سلم يرتقون به ليبلغوا الملك الذي جعلوه لغير الله واعتزوا بما لا يضر ولا ينفع ونسوا صاحب العزة والملك -الله جل جلاله- ..
نلاحظ بدء الآيات بتوجيه الخطاب للرسول عليه السلام لتصبيره على دعاوي المشركين .. ثم كعادة النص القرآني بسرد القصص لتقوي من عزيمة نبينا  وتذكره بحياة الأنبياء الذين واجهوا أنفسهم وأقوامهم ..الآيات هنا تسرد تذكيرا لقصص تدل على الصبر وجهاد النفس ..وعدم الانجرار في الدنيا ، لأنه كما ذكرت في الفقرة الأولى أدب الصبر واحد ،فإما نصبر بتطويع نفوسنا لمنهج الله وإما نصبر على منعها من الانجرار لما يحيطها من ظلم
{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ١٧ )إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ ١٨)وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ١٩)وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ٢٠) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ ٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ٢٥) َيا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ  إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ٢٦) }
في قصة داوود هنا وصفه عز وجل ب (ذا الأيد) وبالأواب ، ذا الأيد لأنه كما ذكر المفسرون قويا في العبادة وفي طاعة الله والصبر عليها ..فالعبادة تحتاج صبرا كما ذكر عز وجل في سورة أخرى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) ..الصبر في العبادة يورث صبرا على مكاره الدنيا فكان نبينا عليه السلام يقول (أرحنا بها يا بلال).
 ثم وصفه إنه أواب لكثرة إيابه لله فور إحساسه بجنوح نفسه ولو يسيرا فكان لا يعطي نفسه مجالا بل يردعها ، وهنا هذا النص يبين لنا كثرة انتباهه لنفسه ولرموز الله التي يرسلها له ليؤدبه بها الأدب الذي يليق بهما كإله عظيم ونبي عظيم .
أرسل عز وجل ملكان برسالة رمزية لا يفهمها إلا من هو بمقام داوود الأواب لنتعلم نحن بالتالي من هذه العظمة وليصبر نبينا عليه السلام بتذكر اخوته في النبوة وابتلائهم في الصبر .
جاء الملكان لداوود في محرابه ففزع منهم وظهر ذلك عليه لأنهم ظهروا فجأة أمامه ،فعرضوا عليه القضية التي تداولها داوود للوهلة الأولى كقضية أرضية مثل التي تعترضه يوميا كملك وقاض ، قالوا لا تخف خصمان بغا بعضنا على بعض ، ولا نفهم من السياق أنه استمع لواحد فقط لأنهما ماثلان أمامه ، فتحدث الأول قال هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب ،أي أن أخاه طلب منه أن يكفل له نعجته باعتباره لديه الكثير وسترعى مع البقية و لكنه عزه بإعادة حقه إليه ، فرد داوود بسرعة باعتبارها قضية واضحة، (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) ثم تحدث عن الخلطاء بمعنى الذين يتكفلون أموال الناس فتختلط بأموالهم ، (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين أمنوا) ، وقال (وقليل ما هم ) أي كما نقول إلا من رحم ربي ،وداوود باعتباره الملك الحكيم المعروف عنه أنه لا يخطئ بقضية تعرض عليه كما قال عنه عز وجل (آتيناه الحكمة وفصل الخطاب) كلامه سليم لو كانت قضية دنيوية ، ولكنه انتبه أن القضية رمز ، فالتسع وتسعون نعجة هي رمز لأسماء الله ، وله الأسماء كلها وأن الله خصه باسم وصفة من صفاته هي الملك وأراد أن يذكره أن التوكل والتواضع هو أصل الحكم والملك ، ليذكره أن هذه الصفة قد من الله بها عليه وهو أقدر أن يدبرها ، وعلى داوود أن يتذكر أنه إنما يملك ما أعطاه عز وجل  وأنه عندما يتوكل على الله فإنما يتوكل عليه بتقدير ما وهبه من ملك الله ليصير إلى ملكه ولا يملك لنفسه شيئا ، فخر راكعا وأناب لأنه فهم مباشرة مقصود الله ، وهذا من أنواع الصبر بتطويع النفس لله بكل حال عندما نصيب نحمد الله الذي يسر لنا الصواب وعندما نخطئ نستغفر الله ونرجع عن خطئنا ، فكان صبر داوود هنا صبر حمد ، ليتذكر أنما يصيب بقوة الله وحوله.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُواْ الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ}
هذه المقارنة التي يعرضها لنا عز وجل والمفارقة بين حال صبر المؤمنين على إيمانهم وصبر الكافرين على كفرهم ، يصفها  تعالى في سورة النساء{ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون  وترجون من الله ما لايرجون وكان الله عليما حكيما}١٠٤ النساء
شتان بين من يصبر على جور وباطل وإفساد وبين من يصبر على تقواه وإيمانه.
نتابع في قصة سليمان ، كان يستعرض خيله التي يجاهد بها حتى قبيل المغرب ففطن إلى ورده ويقال إلى صلاة العصر فأمر بالخيل فضرب بأعناقها لتسببها بنسيانه ذكر الله ، وأما بشرح ابن عباس أنه مسح على سوقها وأعناقها حبا بها ،لأنه لا يمكن أن يكون قتلها بغير ذنب. 
وبكلا الحالين نفهم أن سليمان عليه السلام كان يراوح نفسه بدرجات الصبر فالذكر صبر والجهاد صبر ومتابعة الرعية صبر ولكن هناك أولويات ، وهو النبي الذي يعلم أن ذكر الله هو أعلى مرتبات العبادة ،وفي الحديث الشريف:
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى).


ثم يكمل عن سليمان بقصة بعد اجتيازه لاختبار هوى النفس بأن قال عز وجل ولقد فتنا سليمان أي وضعه عز وجل في اختبار من نوع آخر، اختبار العرش والملك، ألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب.
في التفاسير لهذه الآية تذكر أن
شيطانا اسمه صخر استولى على خاتم سليمان وهذا الخاتم الذي فيه ملكه وألقاه في البحر وجلس مكانه اربعين يوما ولم يستطع سليمان العودة لملكه إلا بعد أن وجده في بطن سمكة كان قد اشتراها فعاد لملكه َدعا دعاءه {رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي}
لا أعلم الدقة في سرد تفسير القصة مع وجود تناقضات في الروايات فجل من لا يسهو، وهناك حديث يذكر في تفسير الآية أنه أقسم أن يطوف على أربعين من جواريه في ليلة واحدة فتنجب كلا منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فما ولدت إلا جارية واحدة شق غلام وضع على كرسيه لتذكيره بذنبه ، وفي هذه الرواية من التناقض ما لا يليق بسليمان ولا بالله عز وجل ، فكيف يطوف على اربعين جارية في ليلة واحدة ، وكيف يكون شق الغلام ابتلاء ، ولكن سمعت تفسيرا للشيخ عمران حسين يذكره حولها، أن هذا الإلقاء كان برؤيا رآها سليمان ونعلم أن رؤيا الأنبياء حق، ففهم من الجسد أنه كائن بلا روح دليل على الشر البحت والكرسي دليل العرش، ففهم أن مخلوقا غاية في الشر يطمح بكرسي العرش على ملك بني إسرائيل من بعده، ودعا دعاءه الذي يعني أن لا يبقى ملكه من بعده لأحد، خوفا على دين الله وأمته من هذا الشرير، وأما نحن نعلم أن هذه صفة الدجال وقد نوه رسول الله أن ما من نبي إلا حذر أمته من الدجال، فاستجاب له الله إذ لم نسمع عن ملك سليمان بعده، وأثابه الله بحرصه أن عظم ملكه وزاده فضم إليه الريح تجري بأمره والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد ولا نعلم قد يكون الدجال أحدهم – والله أعلم-

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)}
هنا في قصة أيوب الصبر على الأذى الجسدي ، وما  نعلم من قصة أيوب أنه كان ذا مال وجاه وأبناء وجمال فابتلي بخسارة كل ذلك وصبر وطال صبره وما بقي معه إلا زوجته فطلبت منه أن يطلب من الله أن يكشف عنه ذلك فغضب منها لخجله من الله أن يستعجل بالدعاء قبل أن يمر عليه بالبلاء كما مر عليه بالنعم ، وأقسم أن يضربها ،ثم رق قلبه وحزن عليها ولجأ لله بالدعاء ، ولا يؤخر الله طلبا لنبيه الصابر المتذلل بالعبادة ، فقال له عز وجل أن يغتسل بالمغتسل البارد فشفي ، ولعلنا نفهم هنا أهمية الاغتسال بالماء البارد لما له فوائد ولأنه شديد على الشيطان ، ثم عوضه الله كل ما خسر وزيادة ، حتى أن زوجته عندما عادت لم تتعرف عليه من جماله ، وظل بباله قسمه فقال له الله خذ بيدك ضغثا ولا تحنث أي اضربها بكومة من عيد القش الصغيرة التي لا تضر حتى يوفي بقسمه ، هذا جزاء الصبر .
وكما هو حال جميع الأنبياء اختلف السبب والصبر واحد ، شديد على النفس والجسد ولكن جزاءه عظيم في الدنيا والآخرة.

{هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ(66)}

هذا ذكر ، ذكر صبر الأنبياء على إيمانهم وذكر تمسك الكافرين بكفرهم ، هذا ذكر الله الذي يرفع به الحق ويهوي به الباطل وعاقبة كل منهم حسب صبرهم في الدنيا على تطبيق شرع الله، فإما نعيم دائم أو جحيم لا يحتمل ، وما حال الكافرين به؟ كحالهم في الدنيا خصام وشقاق وحسد حتى وهم في هذه البقعة ، ثم يحسدون من لا يجدوا من ظنوه من أهل النار ، لأنهم كانوا يضعون الناس على مكيالهم فيزنزن بموازينهم العقيمة ، ميزان الكبر والتسلط ، كانوا يتألون على البشر يدخلون أنفسهم الجنة ويدخلون الآخرين النار ظنا أنهم أفضل وأرفع مكانا منهم ، فجلسوا في جهنم بحسرتهم .

{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}
قل هو نبأ عظيم هذا الذي أراد الله من نبيه أن يتذكره وأن يبلغه لقومه، وإنما صبره على المشركين ما هو إلا ابتلاء دنيوي، وأما دعوته لله هي رأس الأمر ليأتي يوم الحساب ويكشف كل صاحب حق ويكشف النوايا والأفعال ،
وأن اختصام الملأ الأعلى بعد خلق آدم وتكبر آدم عن السجود فما علمه رسول الله إلا من الوحي، وهل يصبر إبليس على اختبار مثل هذا ، وهو الذي كان يظن أنه المرشح لخلافة الأرض ؟ وهل يصبر أهل الاستكبار حين يرون من يظنونهم دونهم وقد أضحوا فوقهم ، ثم ليسجد له ، ربما ظن إبليس أن الله ما خلق آدم إلا ليعذبه ويحقره ، فكيف يعلم أمثاله الحكمة من الخلق والخلافة ، وكيف يروض نفسه المتكبرة على الصبر على طاعة الله والتذلل في العبادة والذكر ، هيهات ، هؤلاء هم أهل النار شعارهم الشقاق والخصام وأداتهم الكبر والغرور ، وأما أهل الحق فلا يبتغون أجرا إلا الدعوة لله وإيصال الذكر للبشر ،وما نعلم إلا قطرة من محيط ولتلعمن نبأه بعد حين
عائشة الكيلاني


سورة البقرة

سورة البقرة
وردت قصة البقرة في هذه السورة عندما طلب موسى عليه السلام من بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة بعد سلسلة من العصيان والتمرد والجدال العقيم حتى عبدوا عجلا له خوار...أراد أن يطهر نفوسهم بالإنفاق والإطعام ..لأنه يعلم أن هذه الأخلاق امتداد لشح نفوسهم ؛فلا يطهر النفس من الشح كإطعام الطعام ..ومعلوم عن بني إسرائيل بخلهم وتعلقهم بالمال بشكل شديد ..وكانت سورة البقرة أول سورة بعد الفاتحة وقد حملت عنوانا يرمز لإطعام الطعام لأن هذه الخصلة هي محور الخلافة على الأرض التي وردت قصتها بنفس السورة ..هذا الخليفة عليه أن يرعى أخيه الإنسان وهذا محور الخلافة ..رعاية البشر والقيام على شؤونهم ..وحاجات الإنسان الجسدية هي المأكل أولا ثم تأتي حاجات أخرى أقل أهمية ..وكيف للإنسان أن يعمر الأرض وبطنه خاوية
وطالما أن لعنوان السورة نصيب من هدفها وموضوعها ...نرى مما ورد في هذه السورة سرد صفات المتقين ومن صفاتهم أنهم {مما رزقناهم ينفقون} .. ثم بالمقابل ذكر صفات الذين كفروا والمنافقين  ..ثم ذكر قصة خلق آدم وأكله من الشجرة ..لنعلم أن شهوة الأكل هي أول فتنة قد تخرج البشر عن طاعة الله ..وخرج آدم من الجنة بسببها ..هذه الفتنة التي لا يبالي بها البشر هي من أعظم الفتن ..حتى قال رسول الله عليه السلام "والله لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جائع" ..يموت الإنسان ولا يتمنى من الدنيا إلا أن يعود فيتصدق وينفق ..

ولنعلم أن الله ابتدأ القرآن بسورة الفاتحة وبها دعاء اهدنا السراط المستقيم ثم تلاها بسورة البقرة ذكر أحب المهتدين إليه وهم المتقون الذين قال عنهم {ومما رزقناهم ينفقون} وليس هذا محصور على تأدية الزكاة بل على الإنفاق من كل ما نملك..وعنون السورة برمز للإنفاق وأحب الإنفاق إليه هو إطعام الطعام ولهذا سميت بالبقرة ..لأنها أفضل ما نأكل وننفق ..لندرأ عن أنفسنا حب الشهوات والتعلق بالمال والدنيا ونطهر نفوسنا بهذه الخصلة ..هي رمز للتقوى ولاتباع منهج الله وإعمار أرضه وحسن الخلافة فيها

عائشة الكيلاني

عصر الترويض

ترويض البشر.. أصبح متعة.. تقوم عليها سياسة بعض الجماعات ... ينحتون منحوتات بشرية.. صنعوها أصناما ليعبدوا أنفسهم فيها.. يضعونها كأوسكارات في حياتهم ..
فما زادوا إلا أن قتلوا أرواحهم وشوهوا دواخلهم وأفقدوهم عزائمهم وسلبوا إمكانياتهم.. هذه السياسة التي أصبحت الحجر الذي يتعثر به الحر ليأخذ طريقا أصعب وأقسى ..
لكنهم لن يتوقفوا عن النحت والصقل حتى يتأكدوا أن أصنامهم أصبحت مهترئة.. وأنهم أمعنوا في النحت حتى اختفت معالمها.. أصبحت تتفتت تحت أيديهم.. وما عاد ينفع نحتها.. ولا تدرك أصنامهم حينها أن أرواحهم كانت قد قتلت عند أول طرقة..
ليتركوها تعود ترابا يداس تحت الأقدام ويبدؤون بنحت أصنام أخرى ليروضوا آخرين.. ما كان ذنبهم إلا أنهم وجدوا في محيطهم ...
كطير قصوا أجنحته ومنعوه من التحليق ...
البداية تكون مؤلمة.. سيحاول التفلّت وسيستبدل جناحيه بأوراق ثم سيقنع بالمشي البطيء وهو كاره لمروضيه.. سيغضب في داخله ولكنه سيخرس.. ثم 
سيستسلم.. ولكنه سيكتم غريزته وفطرته التي ما تلبث أن تتحول لغريزة أخرى لم يكن عليها.. سيحب مروضيه في النهاية ويلتصق بهم.. فلم يبق له ملجأ غيرهم.. أو هكذا سيظن ...
مثلما يكون عندك معدن نفيس تقرر أن تغير خواصه لتكتشف أنه ما عاد نفيسا ولا متفردا.. أصبح مجرد حجر تركله ليصبح عائقا في طريقك وعبئا عليك..
وهناك من لا يقبل بالترويض سيدافع عن حريته ووجوده البشري وسينتفض ضد التعدي على حدود انسانيته.. ثم سيروج المروضون لسياسة الترويض فهو ضرورة العصر وحاجة الوجود.. سيقنعون العالم أنهم يريدون الخير ويرفعون شعارات رنانة.. ويتغنون بإنجازاتهم ...
وأما الحر سيفكر ويعبر ويجمع الأحرار ليواجهوا هذه السياسة ...
برفع شعار #‏لا_للترويض



قضايا في المزاد

قضايا في المزاد
يتكالب على المزادات هواة جمع السلع والتحف الثمينة، يتسابقون لاقتناء أجمل التحف وأنفسها، لتنتقل هذه النفائس من قصر لآخر؛ ليحتكر جمالها البعض ويتفاخرون بتميزهم على غيرهم، وغالبا يفوز من لا يدرك قيمتها ولا يفهم بالفن حقيقة.
لا يعرف كيف تشكلت ألوانها أو ما شعر مبدعها عند صنعها ولا ما حفزه على ذلك..
ولا يعلم أنه عندما احتكرها أفسد جمالها عندما حرم الآخرين من النظر إليها.. فجمالها عندما يتشارك الجميع روعتها ..
في زماننا "زمن الدجل" هذا ما أصبحت عليه قضايا أمتنا، تحولت إلى سلع يزاود الكثير عليها لاحتكار قيمتها ..ويظن أنه يخدمها إن أثبت أنه فريد باهتمامه ومتابعته لها.. وأن لا أحد غيره يدافع عنها ..ويفوز بمزاد القضايا أكثرهم كلاما وأعلاهم صوتا وأشدهم تشدقا وأتقنهم برفع الشعارات الرنانة.. فيختزل قضايا الأمة بمجموعة خطابات سطحية..
وتخسر القضايا المدافعين الحقيقيين عنها لزهدهم بمناكفة الكاذبين والمدعين ومللهم من المساومين على أمتهم ..
وتبقى القضية معلقة بيد أهل المظاهر.. الذين سلبوها من يدعمها ويحرص عليها ومن يدرك قيمتها ..
اللهم حرر قضايا أمتنا وضمائر شعوبنا..





شموخ وردة

شموخ وردة
نزلت إلى الحديقة لتسقي ورودها.. هالها ما رأت..
  تفتحت كل الورود إلا الحمراء.. لقد نضبت الحياة فيها وذبلت أوراقها..
غريب.. كيف تفتحت الألوان كلها الصفراء والبيضاء والبنفسجية..
 إلا الحمراء؟ أمن الممكن لأنها سقتها بدموعها؟
كانت تحرص كل يوم أن تنزل وتفرج عن مكنونها عند هذه الشجرة خصيصا
ربما لأن اللون الأحمر يذكرها بقلبها الدامي.. ذبل الورد الأحمر كما ذبل قلبها ونضب..
أهملت ورودها كما أهملت قلبها، دون قصد، كانت تظن الرعاية أن تسقيه من روحها، وكان كيانها السقاء، إلى أن نضب وخفت ضوؤه..
 وكيف لكيان أن يعيش بلا سعادة.. وكيف لقلبها أن يسمو بها فوق الأحزان وهي تذكره كل يوم بماضيها الحزين..
غادرتها البسمة منذ زمن واستبدلتها بالأنين وشهقات اغتالت نفَسها..
وجدت راحتها برعاية ورودها.. تشذبها وتقلمها وتنظف تربتها من الأعشاب الضارة وتسقيها..
 ثم تجلس عند الوردة الحمراء تفضفض لها وتحادثها..
لعل الورود كانت تعسة من حديث صديقتها فما لبثت أن فارقت الحياة..
هذه الورود عندها الشجاعة التي فارقتها.. واجهت مصيرها شامخة رأسها ولم تنحن..
هل قتلت صديقتها بحديثها؟ كانت تحبها وترتاح بجانبها وتضمها براحتيها..
وكانت وردتها تستمع لحكاياتها دون تذمر..
ولكنها بدل أن تستمتع بوردتها وجمالها.. كانت تشكو لها كلما رأتها..
فلم تحتمل أن تستوعب كل هذه المعاناة.. لم تخلق لذلك..
بل لتمنحنا الجمال والرائحة العطرة..
يا لخجلها من ورودها.. كم كانت أنانية.. فكرت بنفسها ولم تهتم لما تحس به ورودها..
ثم فجأة هيئ لها أنها سمعت همسا.. إنها وردة بها بقايا حياة..
تقول لها: هوني عليك.. فإنما انتهت أيامنا يا صديقتي.. وأنت عليك ان تدركي العبرة
أن عليها أن تواجه دنياها كهذه الوردة الشجاعة.. إما أن تبقى لتمنح جمالا لكونها أو ترحل بصمت..
عليها أن ترفع رأسها ولا تستسلم لشجون قلبها..

لا بأس إذا ستعيد زراعة الشجرة الحمراء وسترعاها بحق بصمت وحنان وستكون نعم الصديقة لورودها وحديقتها..  ولقلبها أيضا...لأن الحب هو العطاء أو الرحيل بصمت

دورة المشاعر


دورة المشاعر
 دورة المشاعر لها تقلبات .. بين مد وجزر
تعصف الرياح في خريف الأيام تتطاير وتتشتت الأفكار
ثم تتلبد المشاعر وتتكاثف الدموع فتهطل ..
غاسلة فيها كل ما ساقته رياح الكدر ..
وتسقي ورود الآمال والأحلام ..
ثم تتلاشى التيارات وتختفي الدوامات ..
وتستقر الأجواء ويعم الهدوء..
تتفتح البراعم
 ليحل ربيع الأيام ..
حكايتي تحكي كل الفصول ..فصول العمر 
خريف وشتاء وربيع وصيف..
وفي كل فصل حكمة ..
تكتبها خيوط الشمس حين تتسلل كل صباح يوم جديد..
كأن سحابة صيف حطت وتزول سريعاً لتشرق الشمس فيها ..
تضيئ مبصرةً حقيقةً جديدة تنساب على الأوراق..
تتبخر محيطات النفس لتعود وتتكاثف في سماء القلب من جديد..
ليتزاوج القلم مع صفحة الحياة وينجبا أطروحات أحياناً 
وأحياناً تتولد أجمل اللقطات وأنقى الصور ..
هي مد وجزر ولكن هي نعمة تستحق الحياة .

خوف ورجاء

خوف ورجاء
كان قلبها مشرعا لنوافذ الإرهاب، لكل رياح التهديد وفزاعات البرية، ولكل يد خفية قلبت شغاف قلبها وحلت محل الأوردة والشرايين لينبض قلبها خوفا وألما وحزنا يهيم في صحراء أحاسيسها، ليحيل النبض إلى طنين مزعج ينذر بالخراب.
كانت خطوة واحدة نحو النهاية، لتنكسر قواعدها ويخر بنيانها.
ولكنها قررت أن تكون هذه الخطوة عكسية باتجاه النوافذ، وبكل عزمها أغلقت النوافذ، فقطعت اليد وصدت كل الفزاعات، سدت كل الثغرات، فاستقر النبض واختفى الطنين، وسكنت بطينتاها.
لم تكن خطوة عشوائية بل بعد إدراك أن هذه اليد كانت يدا شيطانية، بعد أن سيطرت بالخوف على كيانها، وأنستها أن لا خوف إلا من عذاب الله، وأن ذكر الله هو سبيل التحرر.

لجمت خوفها وفتحت ستائر النور، لتنير كل الأرجاء، حتى وصل الضوء أماكن كانت قد أصابها العفن.
 حينها تبدل كل شيء.
هناك أصبح بدل الخوف رجاء، وبدل الحزن أملا وتفاؤلا، وبدل الألم حبا ورحمة.
الآن ذاقت طعم السكينة والسعادة، فأرسل القلب إشارات لعقلها ليبدأ برنامجا جديدا.
برنامجا يبدأ بالاستغفار وينتهي بالرضا، يرسخ معان أخرى تتضمن ولاية جديدة تمسك بحبل الله، فيد الله أعظم قوة، وقدرة لا تفوقها أخرى.
واملها أن تبلغ المنتهى ويحل الرضا فتدخل تحت أستار المولى فيمن قال فيهم:

{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} 


بساط الريح

بساط الريح
في صباح يوم مشمس جميل استيقظ معين مفعم بالنشاط، يشغله هذا الحدث العظيم، استعد، لبس، ثم وقف أمام المرآة، ينظر لنفسه، هل يستحق فعلا أن يشهد هذا التكريم؟ هو كان يطلب شيئا في السابق يغير من حاله، كان يريد حدثا يبعث فيه الهمة، توقف عن التفكير وخرج مسرعا من بيته نحو المرجة الخضراء، حيث الموعد في تمام العاشرة صباحا، ظن أنه أول الواصلين، لكنه تفاجأ بالحشد العظيم الذي سبقه، تدافع الجميع، ويأمل كل منهم أن يكون أول الصاعدين، وخلال دقائق معدودة كانت الحشود المتدافعة في وسط المرجة.
بدا المنظر مهيبا من بعيد، كانت تراودهم الشكوك حول صدق الإعلان الذي تردد على أسماعهم منذ أيام.
بدأ الشك يتلاشى حينما وقعت أنظارهم على هذا البساط الضخم الماثل أمامهم، هو بساط الريح لا شك.
قبل أسبوعين تم الإعلان عن اكتشاف بساط الريح مع تنويه أنهم سيقومون بتنظيم رحلة مجانية حول العالم لمن سيقع عليهم الاختيار، وأن على الجميع التواجد في الموعد والمكان المحددين ليكونوا ضمن شريحة المرشحين.
في تمام العاشرة أطل عليهم المسؤول عن التنظيم وأشار للجميع أن يصطفوا بنظام وإلا تأجلت الرحلة.
وأخبرهم أنه سينتقي منهم عشوائيا، فانصاع الحشد واصطفوا.
كم هو محظوظ من سيقع عليه الاختيار.
بدأ المسؤول بالاختيار، وقد تقصد أن يكونوا متنوعين من كل الفئات: أطفال وشباب وشيوخ، رجال ونساء، أغنياء وفقراء، فهذا إرث تاريخي وعلى جميع  الفئات المشاركة فيه بما لا يزيد عن خمسين شخصا.
وكان على كل من يقع عليه الاختيار التقدم للأمام، قبل أن يقوم المساعد بوضعهم في المكان المناسب على البساط وجاء اسم معين في وسط المختارين، أخيرا، كانت الفرحة لا تسعه، ركض باتجاه البساط، وتم وضعه في الدائرة المتطرفة قرب الحافة، وكان سعيدا لأنه سيرى كل شيء بشكل أوضح، بعد فترة وجيزة كان المسؤول قد أتم المهمة، وكل من لم يكن ضمن الصاعدين أصيب بحسرة شديدة، لكن عزاءهم كان أنهم سيشهدون هذا الحدث التاريخي، يكفي أنهم قد تمكنوا من رؤية ما ظنوه في السابق أسطورة تحكى لهم في الروايات.
وبالفعل صعدوا وأخذ كل مكانه تحت نظر المراقبين من الجمهور الحاشد،
وضع الأطفال في الداخل في الحلقة الأولى مع أمهاتهم، ثم الشيوخ من الرجال والنساء في الحلقة الأوسط، ثم الشباب في أوسع حلقة لأنهم الأقوى على تحمل ضغط الهواء.
وكان العدد محدودا ليتاح للجميع رؤية ما يحلق فوقه البساط،
ولكنهم لم يفصلوا إلا حسب الطبقة العمرية، وليس حسب الطبقة الاجتماعية، وكان ضمن الطبقة المرفهة أختان صعدتا وصنفتا حسب الفئة العمرية الكبيرة أي جلسوا في الحلقة الوسطى.
وكان أنهما انزعجتا لخلطهما مع الطبقات الاجتماعية الأخرى وتململتا، حاولتا الاعتراض، ولكن المسؤول أجابهما أن ما سيرونه خلال الرحلة كفيل أن ينسيهما هذا الفارق وهي فرصة يتساوى بها الجميع، وأخبرهما أن بإمكانهما النزول واختيار غيرهما، فاضطرتا للسكوت على مضض.
وقف المسؤول ليؤكد أن هذه الرحلة منفردة وقيمة وأن هذه البساط سيوضع في المتحف بعد العودة وأن على الجميع الاستفادة والتمتع أيضا قدر المستطاع، ونصحهم أن يقتربوا من بعضهم حتى لا يشعروا بالبرد الشديد ثم وزعوا عليهم سترات خاصة لتحمل برودة الجو في الأعلى.
كان الجميع في غاية السعادة لهذه الفرصة، إلا الأختين، تكرر انزعاجهما من توزيع نفس السترة للجميع، وفضلتا التحدث عن ذلك بينهما حتى لا ينزلهما المسؤول.
ثم سكت الجميع عندما بدأ المسؤول بتحريك مقدمة البساط  بشكل عامودي وبحركة سريعة، وهو ما وجدوه مع البساط مكتوبا على ورقة بداخلها بيان كيفية ارتفاعه وهبوطه والتحكم بحركته، ثم شعروا جميعا ببدأ ارتفاع البساط تدريجيا. 
كان التعبير الوحيد الذي ظهر على وجوههم هو الدهشة، كانوا يتلفتون حولهم وهم يبتعدون تدريجيا عن الأرض، بدأت الأشياء تصغر كلما ارتفع البساط، البيوت والحدائق والشوارع.
إلى أن اختفت معالم مدينتهم، كان المقرر أن يزوروا بعض الآثار من الحضارات القديمة، وبعض المدن المشهورة، والأماكن الطبيعية الخلابة.
حينما كانوا يمرون على أمور تستحق المشاهدة ينبههم المسؤول للنظر والاستماع لشرح المرشد.
أما الأطفال فكانت الأمهات تحاولن الشرح لهم، والشباب اعتبروها لحظات عابرة من المتعة إلا بعضهم، أحدهم كان معه قلم وورق يدون عليه الملاحظات وآخر معه كاميرا ليلقط أجمل اللقطات ليريها لأقرانه عند العودة، وهناك من حمل دفتر رسم ليشخص ما مر أمامه، واحد فقط اختلفت تعبيراته، كان صامتا وهادئا ويظهر عليه التفكر والتدبر وهو معين.
وأما فئة كبار العمر، فكانت الأختان عادتا لحركاتهما، تنتقدان هذا وذاك، لم تتجاوزا أي أمر دون عمل بلبلة، هذا ماذا يلبس؟ وهذا كيف يجلس؟ وحتى خيوط البساط العتيقة لم تسلما من نقدهما، وتجرأت إحداهما لتذكر كيف عليهم تنظيف البساط العتيق ليعود له بريقه ولمعانه، يا الله كم أنهما مزعجتان!! هذا ما كان يجول في بال المحيطين ممن لم يتجرأ على النطق حتى لا يتحمل سلاطة لسانهما.

مر على بداية الرحلة يومان وعندما يحين وقت النوم يتوقف المسؤول ليعلن أنهم سيتوقفون عن الحركة للمبيت، ويأخذ الجميع أغطية تحميهم من البرد.
خلالها خرج صوت اعتادوا عليه جميعا يقول:

"أيها المسؤول هذا غطاء بسيط.. لا يليق بمكانتي، لقد اعتدت على الفراش الوثير، ألا تعلم من أنا؟؟ أعطني غير هذا الغطاء "
وما كان من المسؤول كلما سمع صوت إحدى الأختين غير أن يسد أذنه ولا يعيرهما الاهتمام إلى أن تقنعا بأن لا جدوى من كثرة تطلبهما.
بدأ المحيطون بالأختين المتباهيتين بالامتعاض، لم يسنح لهم أن يسمعوا المرشد الذي كان يشرح عن المناطق التي يمرون بها، وعلموا لاحقا أنهم اجتازوا برج إيفل في باريس وبرج بيزا المائل في إيطاليا والمناظر الطبيعية الخلابة في أوروبا كلما التفتوا لينظروا ويسمعوا تبدأ الأختان بعمل بلبلة، والبعض منهم بدا عليه الإحراج لبساطة لباسه أمامهما عند كل نظرة ازدراء تطلقها إحدى الأختين، بدؤوا بتغطية لباسهم وحاولوا كسب ودهما، إلا معين لم يشد انتباهه شيئا من كل الأصوات، إلا ما كان يرى، كان ينظر ويتفكر في خلق الله، سبحانك ما خلقت هذا باطلا، وكلما رأى مشهدا كان يربطه في الأحداث التي تعلمها ويتذكر الأحداث وينظر هنا حصل كذا وكذا، وكان يستفيد من شرح المرشد ليتذكر بعض ما نسي.
لاحقا في الأيام التالية مروا على عجائب الدنيا السبع القديمة في مصر وبابل واليونان وتركيا  
الهرم الأكبر ومنارة الاسكندرية في مصر والحدائق المعلقة في بابل وهيكل أرتميس وضريح موسولوس في تركيا وتمثال زيوس ورودس في اليونان، وكان المرشد قد تحدث عن تاريخ كل منهم..
وكلما عبروا فوق معلم طبيعي شرح عنه، البحيرات السبع، جبال الهمالايا، جبال الألب..
وعبروا فوق سور الصين العظيم، ونال نصيبا من الشرح أيضا 
وكانت فئة الشباب ما زالت تستمتع بلا إدراك لقيمة كلما مروا عليه إلا الشاب معين المتفكر الذي سمع وحفظ كل شيء.
 وكانت الأمهات تحاولن الشرح لأبنائهن وهم مع ذلك يطعمونهم ويسقونهم ويتحملن صراخهم خلال ذلك، ففوتن كثيرا من الشرح، وهم يعلمون أبناءهم قيمة الرحلة.
وأما فئة كبار العمر أدرك العديد منهم أخيرا أنهم لن يفلحوا إلا بإهمالهم الأختين وعدم الاستماع لشكواهما وانتقاداتهما، فطلبوا من المرشد أن يستخدم سماعة بصوت عال ليطغى على صوتيهما.
التف حول الأختين بعض ضعاف النفس وأمضوا الرحلة وهم في نفاق، والباقي تقدموا للأمام قليلا ليستمعوا؛ فأدركوا نصف الرحلة. 
بعد عشرة أيام وقبيل انتهاء الرحلة شكر المسؤول والمساعد والمرشد الجميع، قالوا أن الرحلة بلغت نهايتها وأنهم سيعودون الآن خلال يوم وليلة سيكونون في الديار، جفل الجميع لهذا الخبر، حاولوا تذكر الأيام العشرة كانت سريعة جدا لم يشعروا بها، كيف انتهت فجأة؟؟ إلا معين كان مرتاحا لأنه لم يدع شيئا يفوته أبدا، كل الرحلة كانت في ذاكرته.
وبالفعل بعد يوم وليلة، حط بساط الريح في وسط المرجة الخضراء، وكانت الحشود في استقبالهم، بدأ الركاب في النزول، ووقفوا جميعا أمام البساط، حيا المسؤول الجميع، وأعلن أن من استطاع من الركاب أن يقص هذه الرحلة للحشد بالتفصيل سيستلم أكبر جائزة ويأخذ وساما شرفيا، وسيأخذ البقية هدايا على قدر مساهمتهم بإيصال المعلومات.
واصطف الجميع بالترتيب حسب معلوماتهم، فكان الشاب معين المتفكر هو الوحيد الذي استطاع وصف الرحلة بكاملها، وصفا دقيقا، وأما كبار السن فبعضهم استطاع وصف نصف الرحلة، وأما الأختان فكان ترتيبهما في آخر الصفوف وقد أصابهما الخزي أمام الحشود من مرتبتهما البعيدة وكان معهما المنافقون يقفون معهما بعتب، لأنهم أضاعوا الرحلة ينافقون لكسب رضاهما.
تسلم معين الجائزة وهي منحة مالية كبيرة، مع درع تقديرا له، ثم البقية استلموا على قدر معلوماتهم، وأما من لم يصف شيئا فقد تقرر تجريدهم من مزاياهم الاجتماعية، لأنهم حرموا آخرين من هذه القيمة ولم يستفيدوا منها.
تقدمت الأختان على أمل الحصول على شيء، ولكن بدل الهدية اقتادوهما إلى حجر اجتماعي، لأنهما صنفتا كمشاغبتين منعتا مسير الرحلة بشكل حضاري.
وأما معين فكانت جائزته الحقيقية هي المشاركة بحد ذاتها، فقرر أن يعيد صياغة حياته لأن كل لحظة في هذه الحياة هي حدث وهو تكريم، فهذه الحياة هي بساط ريح أكبر وأعظم، ولن يفرط في وقته عليها، ليستلم جائزته الكبرى في الآخرة وهو الوسام الذي يستحقه.
 كانت هذه الرحلة البداية عند البعض وكانت نهاية آخرين لم يعرفوا قيمتها ويقدروها حقا، كما هي حياتنا على هذه الأرض قصيرة فلا ننسى وطويلة لنعمل ونجد.


{اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو وَزِينَة وَتَفَاخُر بَيْنكُمْ وَتَكَاثُر فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد كَمَثَلِ غَيْث أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاته ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُون حُطَامًا وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد وَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرِضْوَان}