عصر الترويض

ترويض البشر.. أصبح متعة.. تقوم عليها سياسة بعض الجماعات ... ينحتون منحوتات بشرية.. صنعوها أصناما ليعبدوا أنفسهم فيها.. يضعونها كأوسكارات في حياتهم ..
فما زادوا إلا أن قتلوا أرواحهم وشوهوا دواخلهم وأفقدوهم عزائمهم وسلبوا إمكانياتهم.. هذه السياسة التي أصبحت الحجر الذي يتعثر به الحر ليأخذ طريقا أصعب وأقسى ..
لكنهم لن يتوقفوا عن النحت والصقل حتى يتأكدوا أن أصنامهم أصبحت مهترئة.. وأنهم أمعنوا في النحت حتى اختفت معالمها.. أصبحت تتفتت تحت أيديهم.. وما عاد ينفع نحتها.. ولا تدرك أصنامهم حينها أن أرواحهم كانت قد قتلت عند أول طرقة..
ليتركوها تعود ترابا يداس تحت الأقدام ويبدؤون بنحت أصنام أخرى ليروضوا آخرين.. ما كان ذنبهم إلا أنهم وجدوا في محيطهم ...
كطير قصوا أجنحته ومنعوه من التحليق ...
البداية تكون مؤلمة.. سيحاول التفلّت وسيستبدل جناحيه بأوراق ثم سيقنع بالمشي البطيء وهو كاره لمروضيه.. سيغضب في داخله ولكنه سيخرس.. ثم 
سيستسلم.. ولكنه سيكتم غريزته وفطرته التي ما تلبث أن تتحول لغريزة أخرى لم يكن عليها.. سيحب مروضيه في النهاية ويلتصق بهم.. فلم يبق له ملجأ غيرهم.. أو هكذا سيظن ...
مثلما يكون عندك معدن نفيس تقرر أن تغير خواصه لتكتشف أنه ما عاد نفيسا ولا متفردا.. أصبح مجرد حجر تركله ليصبح عائقا في طريقك وعبئا عليك..
وهناك من لا يقبل بالترويض سيدافع عن حريته ووجوده البشري وسينتفض ضد التعدي على حدود انسانيته.. ثم سيروج المروضون لسياسة الترويض فهو ضرورة العصر وحاجة الوجود.. سيقنعون العالم أنهم يريدون الخير ويرفعون شعارات رنانة.. ويتغنون بإنجازاتهم ...
وأما الحر سيفكر ويعبر ويجمع الأحرار ليواجهوا هذه السياسة ...
برفع شعار #‏لا_للترويض



قضايا في المزاد

قضايا في المزاد
يتكالب على المزادات هواة جمع السلع والتحف الثمينة، يتسابقون لاقتناء أجمل التحف وأنفسها، لتنتقل هذه النفائس من قصر لآخر؛ ليحتكر جمالها البعض ويتفاخرون بتميزهم على غيرهم، وغالبا يفوز من لا يدرك قيمتها ولا يفهم بالفن حقيقة.
لا يعرف كيف تشكلت ألوانها أو ما شعر مبدعها عند صنعها ولا ما حفزه على ذلك..
ولا يعلم أنه عندما احتكرها أفسد جمالها عندما حرم الآخرين من النظر إليها.. فجمالها عندما يتشارك الجميع روعتها ..
في زماننا "زمن الدجل" هذا ما أصبحت عليه قضايا أمتنا، تحولت إلى سلع يزاود الكثير عليها لاحتكار قيمتها ..ويظن أنه يخدمها إن أثبت أنه فريد باهتمامه ومتابعته لها.. وأن لا أحد غيره يدافع عنها ..ويفوز بمزاد القضايا أكثرهم كلاما وأعلاهم صوتا وأشدهم تشدقا وأتقنهم برفع الشعارات الرنانة.. فيختزل قضايا الأمة بمجموعة خطابات سطحية..
وتخسر القضايا المدافعين الحقيقيين عنها لزهدهم بمناكفة الكاذبين والمدعين ومللهم من المساومين على أمتهم ..
وتبقى القضية معلقة بيد أهل المظاهر.. الذين سلبوها من يدعمها ويحرص عليها ومن يدرك قيمتها ..
اللهم حرر قضايا أمتنا وضمائر شعوبنا..





شموخ وردة

شموخ وردة
نزلت إلى الحديقة لتسقي ورودها.. هالها ما رأت..
  تفتحت كل الورود إلا الحمراء.. لقد نضبت الحياة فيها وذبلت أوراقها..
غريب.. كيف تفتحت الألوان كلها الصفراء والبيضاء والبنفسجية..
 إلا الحمراء؟ أمن الممكن لأنها سقتها بدموعها؟
كانت تحرص كل يوم أن تنزل وتفرج عن مكنونها عند هذه الشجرة خصيصا
ربما لأن اللون الأحمر يذكرها بقلبها الدامي.. ذبل الورد الأحمر كما ذبل قلبها ونضب..
أهملت ورودها كما أهملت قلبها، دون قصد، كانت تظن الرعاية أن تسقيه من روحها، وكان كيانها السقاء، إلى أن نضب وخفت ضوؤه..
 وكيف لكيان أن يعيش بلا سعادة.. وكيف لقلبها أن يسمو بها فوق الأحزان وهي تذكره كل يوم بماضيها الحزين..
غادرتها البسمة منذ زمن واستبدلتها بالأنين وشهقات اغتالت نفَسها..
وجدت راحتها برعاية ورودها.. تشذبها وتقلمها وتنظف تربتها من الأعشاب الضارة وتسقيها..
 ثم تجلس عند الوردة الحمراء تفضفض لها وتحادثها..
لعل الورود كانت تعسة من حديث صديقتها فما لبثت أن فارقت الحياة..
هذه الورود عندها الشجاعة التي فارقتها.. واجهت مصيرها شامخة رأسها ولم تنحن..
هل قتلت صديقتها بحديثها؟ كانت تحبها وترتاح بجانبها وتضمها براحتيها..
وكانت وردتها تستمع لحكاياتها دون تذمر..
ولكنها بدل أن تستمتع بوردتها وجمالها.. كانت تشكو لها كلما رأتها..
فلم تحتمل أن تستوعب كل هذه المعاناة.. لم تخلق لذلك..
بل لتمنحنا الجمال والرائحة العطرة..
يا لخجلها من ورودها.. كم كانت أنانية.. فكرت بنفسها ولم تهتم لما تحس به ورودها..
ثم فجأة هيئ لها أنها سمعت همسا.. إنها وردة بها بقايا حياة..
تقول لها: هوني عليك.. فإنما انتهت أيامنا يا صديقتي.. وأنت عليك ان تدركي العبرة
أن عليها أن تواجه دنياها كهذه الوردة الشجاعة.. إما أن تبقى لتمنح جمالا لكونها أو ترحل بصمت..
عليها أن ترفع رأسها ولا تستسلم لشجون قلبها..

لا بأس إذا ستعيد زراعة الشجرة الحمراء وسترعاها بحق بصمت وحنان وستكون نعم الصديقة لورودها وحديقتها..  ولقلبها أيضا...لأن الحب هو العطاء أو الرحيل بصمت

دورة المشاعر


دورة المشاعر
 دورة المشاعر لها تقلبات .. بين مد وجزر
تعصف الرياح في خريف الأيام تتطاير وتتشتت الأفكار
ثم تتلبد المشاعر وتتكاثف الدموع فتهطل ..
غاسلة فيها كل ما ساقته رياح الكدر ..
وتسقي ورود الآمال والأحلام ..
ثم تتلاشى التيارات وتختفي الدوامات ..
وتستقر الأجواء ويعم الهدوء..
تتفتح البراعم
 ليحل ربيع الأيام ..
حكايتي تحكي كل الفصول ..فصول العمر 
خريف وشتاء وربيع وصيف..
وفي كل فصل حكمة ..
تكتبها خيوط الشمس حين تتسلل كل صباح يوم جديد..
كأن سحابة صيف حطت وتزول سريعاً لتشرق الشمس فيها ..
تضيئ مبصرةً حقيقةً جديدة تنساب على الأوراق..
تتبخر محيطات النفس لتعود وتتكاثف في سماء القلب من جديد..
ليتزاوج القلم مع صفحة الحياة وينجبا أطروحات أحياناً 
وأحياناً تتولد أجمل اللقطات وأنقى الصور ..
هي مد وجزر ولكن هي نعمة تستحق الحياة .

خوف ورجاء

خوف ورجاء
كان قلبها مشرعا لنوافذ الإرهاب، لكل رياح التهديد وفزاعات البرية، ولكل يد خفية قلبت شغاف قلبها وحلت محل الأوردة والشرايين لينبض قلبها خوفا وألما وحزنا يهيم في صحراء أحاسيسها، ليحيل النبض إلى طنين مزعج ينذر بالخراب.
كانت خطوة واحدة نحو النهاية، لتنكسر قواعدها ويخر بنيانها.
ولكنها قررت أن تكون هذه الخطوة عكسية باتجاه النوافذ، وبكل عزمها أغلقت النوافذ، فقطعت اليد وصدت كل الفزاعات، سدت كل الثغرات، فاستقر النبض واختفى الطنين، وسكنت بطينتاها.
لم تكن خطوة عشوائية بل بعد إدراك أن هذه اليد كانت يدا شيطانية، بعد أن سيطرت بالخوف على كيانها، وأنستها أن لا خوف إلا من عذاب الله، وأن ذكر الله هو سبيل التحرر.

لجمت خوفها وفتحت ستائر النور، لتنير كل الأرجاء، حتى وصل الضوء أماكن كانت قد أصابها العفن.
 حينها تبدل كل شيء.
هناك أصبح بدل الخوف رجاء، وبدل الحزن أملا وتفاؤلا، وبدل الألم حبا ورحمة.
الآن ذاقت طعم السكينة والسعادة، فأرسل القلب إشارات لعقلها ليبدأ برنامجا جديدا.
برنامجا يبدأ بالاستغفار وينتهي بالرضا، يرسخ معان أخرى تتضمن ولاية جديدة تمسك بحبل الله، فيد الله أعظم قوة، وقدرة لا تفوقها أخرى.
واملها أن تبلغ المنتهى ويحل الرضا فتدخل تحت أستار المولى فيمن قال فيهم:

{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} 


بساط الريح

بساط الريح
في صباح يوم مشمس جميل استيقظ معين مفعم بالنشاط، يشغله هذا الحدث العظيم، استعد، لبس، ثم وقف أمام المرآة، ينظر لنفسه، هل يستحق فعلا أن يشهد هذا التكريم؟ هو كان يطلب شيئا في السابق يغير من حاله، كان يريد حدثا يبعث فيه الهمة، توقف عن التفكير وخرج مسرعا من بيته نحو المرجة الخضراء، حيث الموعد في تمام العاشرة صباحا، ظن أنه أول الواصلين، لكنه تفاجأ بالحشد العظيم الذي سبقه، تدافع الجميع، ويأمل كل منهم أن يكون أول الصاعدين، وخلال دقائق معدودة كانت الحشود المتدافعة في وسط المرجة.
بدا المنظر مهيبا من بعيد، كانت تراودهم الشكوك حول صدق الإعلان الذي تردد على أسماعهم منذ أيام.
بدأ الشك يتلاشى حينما وقعت أنظارهم على هذا البساط الضخم الماثل أمامهم، هو بساط الريح لا شك.
قبل أسبوعين تم الإعلان عن اكتشاف بساط الريح مع تنويه أنهم سيقومون بتنظيم رحلة مجانية حول العالم لمن سيقع عليهم الاختيار، وأن على الجميع التواجد في الموعد والمكان المحددين ليكونوا ضمن شريحة المرشحين.
في تمام العاشرة أطل عليهم المسؤول عن التنظيم وأشار للجميع أن يصطفوا بنظام وإلا تأجلت الرحلة.
وأخبرهم أنه سينتقي منهم عشوائيا، فانصاع الحشد واصطفوا.
كم هو محظوظ من سيقع عليه الاختيار.
بدأ المسؤول بالاختيار، وقد تقصد أن يكونوا متنوعين من كل الفئات: أطفال وشباب وشيوخ، رجال ونساء، أغنياء وفقراء، فهذا إرث تاريخي وعلى جميع  الفئات المشاركة فيه بما لا يزيد عن خمسين شخصا.
وكان على كل من يقع عليه الاختيار التقدم للأمام، قبل أن يقوم المساعد بوضعهم في المكان المناسب على البساط وجاء اسم معين في وسط المختارين، أخيرا، كانت الفرحة لا تسعه، ركض باتجاه البساط، وتم وضعه في الدائرة المتطرفة قرب الحافة، وكان سعيدا لأنه سيرى كل شيء بشكل أوضح، بعد فترة وجيزة كان المسؤول قد أتم المهمة، وكل من لم يكن ضمن الصاعدين أصيب بحسرة شديدة، لكن عزاءهم كان أنهم سيشهدون هذا الحدث التاريخي، يكفي أنهم قد تمكنوا من رؤية ما ظنوه في السابق أسطورة تحكى لهم في الروايات.
وبالفعل صعدوا وأخذ كل مكانه تحت نظر المراقبين من الجمهور الحاشد،
وضع الأطفال في الداخل في الحلقة الأولى مع أمهاتهم، ثم الشيوخ من الرجال والنساء في الحلقة الأوسط، ثم الشباب في أوسع حلقة لأنهم الأقوى على تحمل ضغط الهواء.
وكان العدد محدودا ليتاح للجميع رؤية ما يحلق فوقه البساط،
ولكنهم لم يفصلوا إلا حسب الطبقة العمرية، وليس حسب الطبقة الاجتماعية، وكان ضمن الطبقة المرفهة أختان صعدتا وصنفتا حسب الفئة العمرية الكبيرة أي جلسوا في الحلقة الوسطى.
وكان أنهما انزعجتا لخلطهما مع الطبقات الاجتماعية الأخرى وتململتا، حاولتا الاعتراض، ولكن المسؤول أجابهما أن ما سيرونه خلال الرحلة كفيل أن ينسيهما هذا الفارق وهي فرصة يتساوى بها الجميع، وأخبرهما أن بإمكانهما النزول واختيار غيرهما، فاضطرتا للسكوت على مضض.
وقف المسؤول ليؤكد أن هذه الرحلة منفردة وقيمة وأن هذه البساط سيوضع في المتحف بعد العودة وأن على الجميع الاستفادة والتمتع أيضا قدر المستطاع، ونصحهم أن يقتربوا من بعضهم حتى لا يشعروا بالبرد الشديد ثم وزعوا عليهم سترات خاصة لتحمل برودة الجو في الأعلى.
كان الجميع في غاية السعادة لهذه الفرصة، إلا الأختين، تكرر انزعاجهما من توزيع نفس السترة للجميع، وفضلتا التحدث عن ذلك بينهما حتى لا ينزلهما المسؤول.
ثم سكت الجميع عندما بدأ المسؤول بتحريك مقدمة البساط  بشكل عامودي وبحركة سريعة، وهو ما وجدوه مع البساط مكتوبا على ورقة بداخلها بيان كيفية ارتفاعه وهبوطه والتحكم بحركته، ثم شعروا جميعا ببدأ ارتفاع البساط تدريجيا. 
كان التعبير الوحيد الذي ظهر على وجوههم هو الدهشة، كانوا يتلفتون حولهم وهم يبتعدون تدريجيا عن الأرض، بدأت الأشياء تصغر كلما ارتفع البساط، البيوت والحدائق والشوارع.
إلى أن اختفت معالم مدينتهم، كان المقرر أن يزوروا بعض الآثار من الحضارات القديمة، وبعض المدن المشهورة، والأماكن الطبيعية الخلابة.
حينما كانوا يمرون على أمور تستحق المشاهدة ينبههم المسؤول للنظر والاستماع لشرح المرشد.
أما الأطفال فكانت الأمهات تحاولن الشرح لهم، والشباب اعتبروها لحظات عابرة من المتعة إلا بعضهم، أحدهم كان معه قلم وورق يدون عليه الملاحظات وآخر معه كاميرا ليلقط أجمل اللقطات ليريها لأقرانه عند العودة، وهناك من حمل دفتر رسم ليشخص ما مر أمامه، واحد فقط اختلفت تعبيراته، كان صامتا وهادئا ويظهر عليه التفكر والتدبر وهو معين.
وأما فئة كبار العمر، فكانت الأختان عادتا لحركاتهما، تنتقدان هذا وذاك، لم تتجاوزا أي أمر دون عمل بلبلة، هذا ماذا يلبس؟ وهذا كيف يجلس؟ وحتى خيوط البساط العتيقة لم تسلما من نقدهما، وتجرأت إحداهما لتذكر كيف عليهم تنظيف البساط العتيق ليعود له بريقه ولمعانه، يا الله كم أنهما مزعجتان!! هذا ما كان يجول في بال المحيطين ممن لم يتجرأ على النطق حتى لا يتحمل سلاطة لسانهما.

مر على بداية الرحلة يومان وعندما يحين وقت النوم يتوقف المسؤول ليعلن أنهم سيتوقفون عن الحركة للمبيت، ويأخذ الجميع أغطية تحميهم من البرد.
خلالها خرج صوت اعتادوا عليه جميعا يقول:

"أيها المسؤول هذا غطاء بسيط.. لا يليق بمكانتي، لقد اعتدت على الفراش الوثير، ألا تعلم من أنا؟؟ أعطني غير هذا الغطاء "
وما كان من المسؤول كلما سمع صوت إحدى الأختين غير أن يسد أذنه ولا يعيرهما الاهتمام إلى أن تقنعا بأن لا جدوى من كثرة تطلبهما.
بدأ المحيطون بالأختين المتباهيتين بالامتعاض، لم يسنح لهم أن يسمعوا المرشد الذي كان يشرح عن المناطق التي يمرون بها، وعلموا لاحقا أنهم اجتازوا برج إيفل في باريس وبرج بيزا المائل في إيطاليا والمناظر الطبيعية الخلابة في أوروبا كلما التفتوا لينظروا ويسمعوا تبدأ الأختان بعمل بلبلة، والبعض منهم بدا عليه الإحراج لبساطة لباسه أمامهما عند كل نظرة ازدراء تطلقها إحدى الأختين، بدؤوا بتغطية لباسهم وحاولوا كسب ودهما، إلا معين لم يشد انتباهه شيئا من كل الأصوات، إلا ما كان يرى، كان ينظر ويتفكر في خلق الله، سبحانك ما خلقت هذا باطلا، وكلما رأى مشهدا كان يربطه في الأحداث التي تعلمها ويتذكر الأحداث وينظر هنا حصل كذا وكذا، وكان يستفيد من شرح المرشد ليتذكر بعض ما نسي.
لاحقا في الأيام التالية مروا على عجائب الدنيا السبع القديمة في مصر وبابل واليونان وتركيا  
الهرم الأكبر ومنارة الاسكندرية في مصر والحدائق المعلقة في بابل وهيكل أرتميس وضريح موسولوس في تركيا وتمثال زيوس ورودس في اليونان، وكان المرشد قد تحدث عن تاريخ كل منهم..
وكلما عبروا فوق معلم طبيعي شرح عنه، البحيرات السبع، جبال الهمالايا، جبال الألب..
وعبروا فوق سور الصين العظيم، ونال نصيبا من الشرح أيضا 
وكانت فئة الشباب ما زالت تستمتع بلا إدراك لقيمة كلما مروا عليه إلا الشاب معين المتفكر الذي سمع وحفظ كل شيء.
 وكانت الأمهات تحاولن الشرح لأبنائهن وهم مع ذلك يطعمونهم ويسقونهم ويتحملن صراخهم خلال ذلك، ففوتن كثيرا من الشرح، وهم يعلمون أبناءهم قيمة الرحلة.
وأما فئة كبار العمر أدرك العديد منهم أخيرا أنهم لن يفلحوا إلا بإهمالهم الأختين وعدم الاستماع لشكواهما وانتقاداتهما، فطلبوا من المرشد أن يستخدم سماعة بصوت عال ليطغى على صوتيهما.
التف حول الأختين بعض ضعاف النفس وأمضوا الرحلة وهم في نفاق، والباقي تقدموا للأمام قليلا ليستمعوا؛ فأدركوا نصف الرحلة. 
بعد عشرة أيام وقبيل انتهاء الرحلة شكر المسؤول والمساعد والمرشد الجميع، قالوا أن الرحلة بلغت نهايتها وأنهم سيعودون الآن خلال يوم وليلة سيكونون في الديار، جفل الجميع لهذا الخبر، حاولوا تذكر الأيام العشرة كانت سريعة جدا لم يشعروا بها، كيف انتهت فجأة؟؟ إلا معين كان مرتاحا لأنه لم يدع شيئا يفوته أبدا، كل الرحلة كانت في ذاكرته.
وبالفعل بعد يوم وليلة، حط بساط الريح في وسط المرجة الخضراء، وكانت الحشود في استقبالهم، بدأ الركاب في النزول، ووقفوا جميعا أمام البساط، حيا المسؤول الجميع، وأعلن أن من استطاع من الركاب أن يقص هذه الرحلة للحشد بالتفصيل سيستلم أكبر جائزة ويأخذ وساما شرفيا، وسيأخذ البقية هدايا على قدر مساهمتهم بإيصال المعلومات.
واصطف الجميع بالترتيب حسب معلوماتهم، فكان الشاب معين المتفكر هو الوحيد الذي استطاع وصف الرحلة بكاملها، وصفا دقيقا، وأما كبار السن فبعضهم استطاع وصف نصف الرحلة، وأما الأختان فكان ترتيبهما في آخر الصفوف وقد أصابهما الخزي أمام الحشود من مرتبتهما البعيدة وكان معهما المنافقون يقفون معهما بعتب، لأنهم أضاعوا الرحلة ينافقون لكسب رضاهما.
تسلم معين الجائزة وهي منحة مالية كبيرة، مع درع تقديرا له، ثم البقية استلموا على قدر معلوماتهم، وأما من لم يصف شيئا فقد تقرر تجريدهم من مزاياهم الاجتماعية، لأنهم حرموا آخرين من هذه القيمة ولم يستفيدوا منها.
تقدمت الأختان على أمل الحصول على شيء، ولكن بدل الهدية اقتادوهما إلى حجر اجتماعي، لأنهما صنفتا كمشاغبتين منعتا مسير الرحلة بشكل حضاري.
وأما معين فكانت جائزته الحقيقية هي المشاركة بحد ذاتها، فقرر أن يعيد صياغة حياته لأن كل لحظة في هذه الحياة هي حدث وهو تكريم، فهذه الحياة هي بساط ريح أكبر وأعظم، ولن يفرط في وقته عليها، ليستلم جائزته الكبرى في الآخرة وهو الوسام الذي يستحقه.
 كانت هذه الرحلة البداية عند البعض وكانت نهاية آخرين لم يعرفوا قيمتها ويقدروها حقا، كما هي حياتنا على هذه الأرض قصيرة فلا ننسى وطويلة لنعمل ونجد.


{اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لَعِب وَلَهْو وَزِينَة وَتَفَاخُر بَيْنكُمْ وَتَكَاثُر فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد كَمَثَلِ غَيْث أَعْجَبَ الْكُفَّار نَبَاته ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُون حُطَامًا وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد وَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرِضْوَان}