بسم
الله الرحمن الرحيم
سورة
العنكبوت
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد
وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد فبعد
دراستنا لسورة النمل وعرجنا على بعض معاني
وروابط الآيات فيها قدر ما فتح الله لنا
من فهم ...نعرج
هنا على سورة أخرى عظيمة من سور القرآن
الكريم ألا وهي العنكبوت ..وكما
فهمنا أن لكل اسم وعنوان نصيب من المضمون
وسبب للتسمية وكما ربطنا النمل بالقدرة
على التكتيك والتخطيط لما وضع الله في
النمل من تحمل مسؤولية وتنظيم ..نأتي
إلى العنكبوت وهي حشرة لا نعلم عنها من
الأهمية بمكان إلا ما يتصف به بيتها من
ضعف ووهن وقدرتها من خلاله على صيد الفرائس
..وكما
نرى في كل سورة أن الاسم لا يتكرر في كل
سورة سوى مرة أو مرتين ..بمعنى
أنه لا يكون هو محور الكلام ..إلا
أننا من تحليلنا وربطنا ندرك ما الرابط
بين كل سورة واسمها ...…ونريد
هنا أن نقتفي المعاني لنفهم الرابط بين
العنكبوت ومعنى الآيات الكريمة ….وسنفصلها
جزءا جزءا إن شاء الله ..
~§§
العنكبوت(مكية)69
§§~
الم{1}
أَحَسِبَ
النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا
آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2}
وَلَقَدْ
فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3}
أَمْ
حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ
أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ{4}
بدأت
السورة بالحروف النورانية ..وهي
سر وضعه الله عز وجل في بعض السور لحكمة
أخفاها عن العوام وخص بها البعض والله
أعلم ..
ثم
بدأت السورة بعدها بسؤال استنكاري يفيد
النفي.. يوجهه
للناس أجمعين ..أحسب
بمعنى أظن ..وهم
الفئة الذين يدعون الإيمان بلا دليل على
إيمانهم وإن لكل شيء علامة ودليل ..
وقولهم
لا بد له من إثبات فمن قال شيئا وادعاه
عليه البينة ..والإيمان
هو شهادة بوحدانية الله تعالى ..وطالما
شهد فعليه أن يثبت حجته هل هو مؤمن حقا؟؟
وهل سيثبت على إيمانه بكل الحالات؟؟ ..نجد
مثلا القاضي عندما يسأل شاهدا يمتحن
شهادته ليتأكد منها بتغيير السؤال وتكراره
إلخ ..وأما
الشهادة بوحدانية الله فهي الأعظم على
الإطلاق..ولا
بد أن يفتتن أي يمتحن لتثبت صحتها..ولا
يثبت إلا ذو إيمان راسخ صادق ولا يقع إلا
الضعيف المنافق ..الذي
يضع مع الله آلهة أخرى يساويها بالله رب
العالمين ..ثم
يعقب بسؤال آخر ..أم
حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء
ما يحكمون ..أي
الذين اتخذوا هذه الدنيا تبعا لمصالحهم
..ظنوا
أي يسبقوا الله فهم يعملون للدنيا ويدّعون
العمل للآخرة فظنوا أن يسبقوا الله بنفاقهم
فيأخذوا الأجرين ويستفيدوا ..والسباق
هنا كناية عن استباقهم للتفكير بشيء لم
يفكر به غيرهم..فهم
يقولون أنهم مؤمنون ويظهرون ذلك بلسانهم
ولكن عندما يمتحنون لا يثبت ذلك بل يقعوا
بالفتنة سريعا ويكشف كذبهم ..
{مَن
كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ
أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ{5}
وَمَن
جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ
إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ
الْعَالَمِينَ{6}
وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي
كَانُوا يَعْمَلُونَ{7}
من
كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ..هذا
هو الهدف والحافز الحقيقي لأهل الإيمان
..أن
يلاقي وجه الله وأن يلقى الله وهو راض عنه
وهؤلاء أهل الجهاد وأهل الإيمان الراسخ
الذين لا يسقطون في حبائل الفتنة ..ليس
لأنهم لم يعملوا السيئات بل كانت لهم
هفواتهم أيضا ..وإنما
لأنهم كانوا يصمدون في وجه الفتن وهي
غالبا فتن بشرية بأن ترى من حولك يحبطونك
أو يقللون من عزيمتك أو يخوفونك ..عكس
الفريق الآخر الذي ظن أن ما يقول بلسانه
يكفي واجتهد لينول ثواب الدنيا فقط ولا
يجاهد الفتن التي تحيط به فلا يظهر له هذا
العائق البشري بينه وبين الله فما يلبث
أن يقع ويسقط في الفتنة..
إذا
كانت هذه أول سبع آيات في السورة ومر بها
المفتاح لمعاني السورة ومنها سنبدأ لنصل
لسبب تسمية السورة بإذن الله ..هذا
المفتاح هو (فتنا
ويفتنون) ثم
كلمة (جاهد
ويجاهد)
وكلاها
وردت أول الآيات بحالتي الماضي والمضارع
..والتي
تظهر فئة من المفتونين ..حجتهم
أنهم ضعفاء وفتنوا من قبل غيرهم فلم
يجاهدوا في الله بل ركنوا إلى الفتن
واستسهلوا الإستسلام ..
هذه
المفاتيح هنا تظهر لنا فيما بعد ...من
تفصيل الأمثلة بعدها ..أن
موضوع الآيات يتحدث عن أنواع الفتن والجهاد
التي تمر بالإنسان الذي يدعي الإيمان
خاصة وهذه السورة تخصهم لأن الفتنة تصيب
هذه الفئة فمن لا يدعي الإيمان ويصرح
بكفره ولا يعمل فكره في آخرته أبدا يترك
فيعطى من الدنيا حتى لا يبقى له نصيب من
الآخرة فلا يفتن ولا يمتحن..أما
من يدعي الإيمان عليه أن يثبت كلامه حتى
يظهر صدقه من كذبه ..فيبدأ
الجهاد بعد أول فتنة يصاب بها هذا المدعي
فإما يثبت صدقه أو العكس ..وإن
هذه الدعوى تحتاج لقوة وهمة عالية للوصول
إلى الدرجات العلى من الجنة و رضا الله
..أما
الضعيف فلا يستحق إلا على قدر جهاده ..فيقع
في فتن الدنيا ولا يعلم أن هذه الدنيا لا
تسوى عند الله شيئا فهي زائلة ..وفيها
مظاهر خداعة لا تفيد شيئا ولا تمنعه من
عذاب الله..وأن
من اتبعهم لن يدفعوا عنه نار جهنم ..
وبعد
هذه الآيات السبعة تبدأ الأمثلة وتفصيل
أنواع ومواطن الفتن والجهاد ..
{وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً
وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم
بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{8}
وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ{9}
إن
أول نوع من أنواع الجهاد هو أبسطه وهو
جهاد الوالدين المشركين ..وهو
أبسطهما لأن الوالدين لا يتمنيان لابنهما
إلا الخير ولو خالفهما ,,فهو
جهاد يسير..
فطاعة
الوالدين واجبة وهي طريق الإنسان للجنة
..أما
لو كانا يجاهداك على الشرك فلا طاعة لهما
..وهو
ليس بحجة لمن ترك أوامر الله فطاعته أوجب
هنا ..ومن
استطاع أن يدخل الجنة بهما فهو من أعظم
أبواب الجهاد على ألا يتعارض ذلك مع طاعة
الله ..
{وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ
فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ
فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ
وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ
لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ
أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا
فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ{10}
وَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْمُنَافِقِينَ{11}
وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا
اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ
خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ
مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ{12}
وَلَيَحْمِلُنَّ
أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ
أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ{13}
ثم
نرى في هذه الآيات تتحدث عن الإيذاء في
الله ...وهي
أكثر شدة من جهاد الوالدين ..وتكون
لمن يحيط به قوم مشركون كالعائلة والقبيلة
...وهذا
النوع من الاستضعاف دائما ما يشترك به
وجود قوم تجبروا ومنعوا الآخرين من الضعفاء
أن يتخذوا طريق الإيمان فتراهم يؤذونهم
حتى يكونون في الكفر سواء ...وهنا
الرد عليهم ..هل
إيذاؤهم أشد من عذاب الله ؟؟وهل هؤلاء
سيحملون الأوزار عنكم؟؟ ..وكذبوا
لو ادعوا ذلك ..هؤلاء
الضعفاء هم عبارة عن قوم منافقين ..ينظرون
من ينتصر في النهاية ليرفعوا أعلامهم
ويدعون أنهم كانوا معهم..
والله
أعلم بما في قلوبهم ..
ثم
ضرب الله الأمثال لهم بقصص وعبر من الأمم
السابقة ..وحال
الأنبياء في جهادهم ...فبدأ
بنوح ..ثم
بإبراهيم عليهما السلام..
{وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ
فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ
وَهُمْ ظَالِمُونَ{14}
فَأَنجَيْنَاهُ
وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا
آيَةً لِّلْعَالَمِينَ{15}
هنا
نرى أن ما كان يميز نوحا عليه السلام
هو الفترة الطويلة التي قضاها في دعوته
بين قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين
عاما ..فلم
وردت هذه النقطة بالذات في حياة نوح عليه
السلام ...إنها
تظهر للمفتونين ..الذين
اتخذوا طول الأمد عذرا ..فلعلهم
ظنوا أن طول العذاب حجة لهم على كفرهم
(فطال
عليهم الأمد)..وهذا
هو الرد عليهم..
إن
ما من جهاد أطول من جهاد نوح عليه السلام
..ومع
ذلك صبر وجاءته الغلبة هو ونفر قليل من
المؤمنين بعد مئات السنين ..بل
وكان نصرهم آية للقرون التي تلتهم …
{وَإِبْرَاهِيمَ
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ
وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{16}
إِنَّمَا
تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً
وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ
تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا
يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا
عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ
وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{17}
وهنا
بطلان آخر للحجج الواهية التي يذكرها كل
مفتون ومتبع لغير سراط الله المستقيم
..فمن
يقول أن أرزاقنا تتأثر ونخاف من الجوع..
فمن
يخاف رئيسه ومن يخاف السلطان ومن يخاف
على مهنته ..هنا
الرد …هم لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند
الله الرزق..
وَإِن
تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن
قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ
إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{18}
أَوَلَمْ
يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ{19}
قُلْ
سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ
بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ
النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{20}
يُعَذِّبُُ
مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ
وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ{21}
وَمَا
أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ
وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن
دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا
نَصِيرٍ{22}
وَالَّذِينَ
كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ
أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{23}
فَمَا
كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن
قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ
فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ{24}
وَقَالَ
إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ
أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ
وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ
النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ{25}
فَآمَنَ
لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ
إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ{26}
وَوَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا
فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ
وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ
الصَّالِحِينَ{27}
هذه
الآيات وردت ردا من الله وتوبيخا لقوم
إبراهيم ودعوة لهم ليتفكروا في الخلق وأن
العذاب والرحمة بيد الله وأنهم لا يعجزون
الله فهو أحق بالخوف منه من الخلق ..وأن
الذين اتخذوا غير طريق الله هم من يئسوا
من رحمة الله ولم يصبروا على الفتن ..
ثم
يكمل بقصة إبراهيم عليه السلام ..بالقصة
المشهورة ..قالوا
حرقوه ..إذا
ليلتفت كل مفتون بخلق الله ...هل
يوجد أعظم من هذا البلاء ؟؟؟أن يرمى في
النار ويحرق ..عذاب
شديد ..لنعلم
أن مهما علا عذاب الدنيا ولو كان سيحرق
كما في الآخرة ..لكن
عذاب الدنيا أهون ..ونتساءل
هل من البشر من يستطيع أن يمنع النار أن
تحرقك ؟؟؟أن تخاف من البشر فهذا قمة الضعف
..فلن
يدفع عنا أحد العذاب إن شاء الله أن يعذبنا
..وهنا
خرق للناموس عندما قال الله يا نار كوني
بردا وسلاما على إبراهيم ..لنرى
أن لا حماية ولا وقاية من العذاب إلا بيد
الله ..فهو
من خلق المخلوقات وهو من يقدر أن يكفينا
شر أساليبهم مهما علت ...لا
بل ليس فقط يحميه من النار بل ..يرزقه
دعما من نبي آخر هو لوط يهاجر معه ..ويرزقه
الأبناء الأنبياء ويجعله أبا الأنبياء
جميعا ..سبحان
الله ..
{وَلُوطاً
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم
بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ{28}
أَئِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ
السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ
الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ
إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ
اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{29}
قَالَ
رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ
الْمُفْسِدِينَ{30}
وَلَمَّا
جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى
قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ
الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا
ظَالِمِينَ{31}
قَالَ
إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ
أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ
وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ
مِنَ الْغَابِرِينَ{32}
وَلَمَّا
أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ
وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا
تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ
وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ
مِنَ الْغَابِرِينَ{33}
إِنَّا
مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ
رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا
يَفْسُقُونَ{34}
وَلَقَد
تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{35}
وهذه
أيضا فتنة من نوع آخر ..فتنة
جهاد أهل الفساد والرذيلة والفاحشة..فساد
أخلاقي من أصعب الأنواع ..لم
يأت بها أحد قبلهم ..وعدا
عن ذلك لم يكتفوا بل كانوا يقطعون السبيل
ويأتون المنكر علنا في النادي ..وتحدوه
أن يأتي لهم بالعذاب ..فجاءت
الأخبار لإبراهيم عليه السلام أولا عن
عذابهم ..فخاف
على لوط ..قالوا
سننجيه إلا امرأته -
نعود
هنا لأمر صعب عندما يكون الجهاد داخل
البيت ..هو
صعب جدا ..أقرب
الناس إليك تجاهدهم ويؤذوك في الله -
فصبر
لوط عليه السلام..فأرسل
الله على قومه العذاب رجزا من السماء
..وهو
عذاب يليق بفعلهم ..بل
وترك علامة تدل على عقابهم ..والمقصود
بها البحر الميت ..ومنهم
من يقول تمثال حجر لامرأة لوط وقد تحجرت
بعد العذاب ..
{
وَإِلَى
مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا
الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ{36}
فَكَذَّبُوهُ
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا
فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ{37}
وَعَاداً
وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن
مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ
عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ{38}
وهؤلاء
القوم هم أيضا تتمة لجهاد الفساد الأخلاقي
… مدين قوم شعيب وعاد وثمود ..منهم
من يغش في الميزان ومنهم من استكبر وبنى
مصانع وبيوت منحوتة من الصخر ومنهم من
كانوا أهل خصام وشر إلخ..
كل
أولئك زين لهم الشيطان أعملهم ..بالرغم
من عقلهم وعلمهم ..
{وَقَارُونَ
وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ
جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ
فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا
كَانُوا سَابِقِينَ{39}
فَكُلّاً
أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم
مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم
مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم
مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا
أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{40}
وهنا
من لا يعلم عمل قارون وفرعون وهامان فالأول
فتنة المال العظيم والقوة وأما الثاني
فقد أله نفسه فهي فتنة السلطة والجبروت
والحكم والثالث كان مقربا من الملك فهو
بنفس الباب...فما
رد عنهم العذاب فمنهم من خسف به ومنهم من
أصابته الصيحة وفرعون قد غرق وهو آية
باقية لليوم ..
ولو
راجعنا الفتن التي فصلها عز وجل في هذه
السورة فلكل شيء مر أو يمر معنا يصنف تحت
باب من أبواب الفتن المذكورة..
فليس
لأحد أن يدعي أن بلاءه أشد ..ومع
ذلك صبر هؤلاء الأنبياء جميعا مع بعض من
آمنوا معهم ...ونالوا
النصر والأجر العظيم وأما الفريق الآخر
فما كان له إلا العذاب في الدنيا والآخرة
والذل والهوان..فتنة
الأقارب ,,فتنة
الإيذاء الجسدي,,,فتنة
الرزق ..
الفتنة
الطويلة الأمد ..فتنة
المال ..فتنة
الحكم والسلطة ...فتنة
الفساد الأخلاقي ..إلخ
فماذا
بقي ليقال بعد هذا من قبلهم ..؟؟؟فيضرب
الله الآن مثلا لحال هؤلاء الذين يلجؤون
لأضعف الخلق ليحتموا بهم من عذاب الدنيا..
{مَثَلُ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ
أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ
اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ{41}
إِنَّ
اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن
دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ{42}
سبحان
الله..
إذا
هنا اسم السورة يأتي ذكره بعد نصف السورة
ليقول لهم إنكم إنما تتخذون ملجأ ضعيفا
وهنا ..لا
يحميكم ولا يدفع عنكم الشر ..ولكن
لا يدرك هذا إلا كل عالم متفقه بدينه وبحال
الدنيا وسننها ..ويدرك
المغزى من خلق الله للكون ...
{وَتِلْكَ
الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ
وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا
الْعَالِمُونَ{43}خَلَقَ
اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً
لِّلْمُؤْمِنِينَ{44}
اتْلُ
مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ
تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{45}
إذا
الحرز من هذه الفتن أولا بالعلم والتعلم
..ثم
بالعبادة وزيادة الإيمان ..
فسورة
العنكبوت هي تصوير لمن يتخذ مع الله معبودا
آخر يتبعه بغض النظر عن نوعه وجنسه أكان
بشرا أم حيوانا أم حجارة أو يعبد فكرا أو
نفسا أمارة بالسوء ..وهذه
الأمثلة الكثيرة التي ضربت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم لتشد من أزره ويصبر
كما صبر إخوانه من الرسل ..وأن
النهاية كانت نصر لهم من الله ..وووبالا
على الكفار الذين ظنوا انهم في مأمن مع
معتقداتهم البالية من الله عز وجل والله
هو العزيز الحكيم ..
تنتقل
الآيات بعدها لتفصل أمورا اخرى لا تقل
أهمية عما ذكر وبنفس الموضوع ..
{ وَلَا
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا
بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ
إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ
وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{46}
وَكَذَلِكَ
أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن
يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا
إِلَّا الْكَافِرُونَ{47}
وَمَا
كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ
وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً
لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ{48}
بَلْ
هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا
يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا
الظَّالِمُونَ{49}
وَقَالُوا
لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن
رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ
اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ
مُّبِينٌ{50}
أَوَلَمْ
يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ{51}
قُلْ
كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا
بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ
أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{52}
قد
يظن التالي لآيات الله للوهلة الأولى أن
المعنى ذهب لموضوع آخر ..هو
جدال أهل الكتاب وإنزال الكتاب على رسوله
وأمية رسول الله ..
ولكن
لنمعن النظر مرة أخرى ..ما
الرابط بين الفتنة وجهادها وبين جدال أهل
الكتاب ..؟؟لا
ننسى أن الإنسان خليفة الله في الأرض
..وله
مهمة محددة ..هي
الدعوة إلى الله..
إذا
هل يكفي الإنسان أن يصبر على فتنة الله
له ؟؟وهل لو بقي على إيمانه فقط سيكون أدى
ما عليه ؟؟إذا ما الداعي لذكر القصص
الكثيرة عن الأنبياء؟؟ ..
إن
من يجاهد الفتنة ولا يستسلم لها هو مؤمن
ولكن إن لم يدعمها بالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر فهو إيمان منقوص فيه شرخ ...إذا
ما سبب التحول هنا إلى الحديث عن جدال أهل
الكتاب ..والحض
على جدالهم بالتي هي أحسن ؟؟
انتقل
الحديث هنا عن البيئة التي يعيش بها
المسلمون إلى يومنا هذا بعد أن ضرب الأمثال
وفصل بها عن الامم السابقة..فالمسلمون
إما يعيش أهل الكتاب في كنفهم أو هم من
يعيشون في كنف أهل الكتاب ..إذا
كيف سينطبق منهاج هذه السورة على وضع
المسلمين من حيث اجتناب الفتن والصبر على
الإيذاء في الله؟؟
لنوضح
أمرا ..أن
المسلمين ما عانوا أمرا على مدى التاريخ
الإسلامي قدر معاناتهم لنشر الدين الإسلامي
أو لصد المبشرين الذين يحاولون فتنة
المسلمين عن دينهم ..لذا
فإن طبقنا منهاج هذه السورة لمحاربة
الفتنة في زمننا ...ندرك
أن الحرب لا تكون في القتال فقط بل باللسان
..فعلينا
نصرة دين الله بالدعوة بالقول السديد
والمنطق والحجة ..هذه
الفتنة التي نقبع فيها إلى يومنا هذا وهي
اتباع أهل الكتاب ..كما
تنبأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
- وهذا
ما يحصل الآن -
نحتاج
لها للدعاة العلماء المفكرين الذين
يخاطبون العقل والمنطق ..ولا
يجوز إيذاء اهل الكتاب بأي حال بحجة الدعوة
لله ..إلا
في حالة واحدة أنهم هم من بدؤوا بالظلم
والإفساد ..إما
بشن الحروب أو بنشر المبشرين لفتنة
المسلمين عن دينهم ..هؤلاء
ليس لنا أن نسكت عنهم أبدا.
إذا
فالشاهد هنا أن المسلمين قد يظنوا أنهم
بمفصل عن الفتن التي مرت معنا من قبل
..ولكن
هذا غير صحيح لأن المسلم وظيفته نشر
الإسلام والدعوة لدين الله بالحكمة
والموعظة الحسنة ..والمستفاد
من هذه الدروس الأخيرة أن نعرف كيف نتعامل
مع أهل الكتاب لأنهم هم فتنتنا ..وأن
كتاب الله (القرآن
الكريم)
فيه
كل ما نحتاج لصدها لما فيه من رد للشبهات
وإفحام لهم..كما
ادعوا ان الرسول ص هو من ألف الكتاب وخطه
ولكن من المعلوم أمية رسول الله ص وأن هذا
الكتاب آية الله لنا فكل نبي كانت آيته
على قدر زمانه ثم انتهت أما آيتنا فهي
حاضرة لكل الأزمان والحمدلله على هذه
النعمة ..
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى
لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم
بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{53}
يَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ{54}
يَوْمَ
يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ
وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ
ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{55}
يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ
أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ
فَاعْبُدُونِ{56}
كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ
إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{57}
وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ
غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ{58}
الَّذِينَ
صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{59}
استخدام
أسلوبي الترغيب والترهيب هما أسلوبان
أساسيان لعرض الفكرة ..والتأثير
على هذه النفوس التي بعد كل هذا المنطق
تحتاج بالنهاية إلى حافز مادي لعمل ما هو
حق ..وهو
إما الخوف من نار جهنم أو الطمع في جنة
الله ..ولكن
الغريب في بعض هؤلاء المنحرفين أن يطلبوا
العذاب بألسنتهم ..وكأنهم
سيطيقونه ..ولكنه
التعنت والتجبر .وسيأتي
هذا اليوم عندما يحيط بهم العذاب من كل
جهة ..وأما
من صبر على الفتن ولم يقع فيها فلهم جنات
وغرف تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
..جزاء
صبرهم وتوكلهم على الله ..
{وَكَأَيِّن
مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا
اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{60}
وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ{61}
اللَّهُ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{62}
وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن
بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْقِلُونَ{63}
وَمَا
هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ
الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ{64}
هذه
الحجج الأخيرة والأساسية لمن يفتن في
دينه ,,خوفه
على أملاكه ورزقه ..فحب
التملك والنفس هي التي منعتهم من الإيمان
..ولكنهم
نسوا أن هذه الدواب التي يملكونها هي رزق
من الله وتسخير منه للإنسان كما خلق الشمس
والقمر وسخرها لنا ..وأن
الرزق بيد الله يبسطه لمن شاء من عباده
كما أنزل الماء من السماء بلا حول منا ولا
قوة ورزقنا شربنا بكل يسر ..نسوا
هؤلاء أن الموت هو النهاية الحتمية وان
لهوهم ولعبهم في الدنيا آخره الفناء وأن
ما من بشر سيأخذ معه إلا عمله ..ولن
يبقى من حياته شيء ..
{ فَإِذَا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا
نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ
يُشْرِكُونَ{65}
لِيَكْفُرُوا
بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ{66}
أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً
وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ
اللَّهِ يَكْفُرُونَ{67}
وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ
كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا
جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى
لِّلْكَافِرِينَ{68}
وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ{69}
كل
مشرك بالله مهما اشتد كفره فلا بد أن مرّ
بشدة لجأ بها إلى الله ..وهنا
لا يمكن لإنسان بحال من الأحوال أن يلجأ
إلا إلى الله عز وجل ..فعند
الجد لن يثق بغيره ..ولن
يطلب من مخلوق ويترك الخالق ..وهذا
الموقف يدينه ..فلو
سألتهم هنا في هذا الموقف بالذات عند ركوب
السفينة ..وتعرضهم لشدة بسيطة من ريح أو عاصفة ..
فلا
منجد ومسعف سيأتي لينجدك في عرض البحر
ولا صنم ولا جبار سيحميك من الهلاك ..سبحان
الله ..ضل
من يدعون إلا هو ..وعكس
هذا التحدي هو الأمان ..فأين
على وجه الأرض من ملجأ يحتمى به إلا هذه
البقعة الآمنة ..التي
حرم الله بها سفك الدماء ..هل
تقارن هذه ببيت العنكبوت الذي اتخذه كل
مفتون لم يعمل عقله ؟؟؟؟حاشا لله
كذبوا
والله ..فكل
متخذ لغير الله معبودا وربا وإلها ..ضل
سعيه وخاب ..وكذب
كل من ادعى أن له حصنا غير الله ...ولكن
من جاهد في الله وصبر هو من سيلقاها ..وهم
من سيسهل الله لهم الطريق ويهديهم ويرشدهم
..وإن
الله لمع المحسنين ..
سبحان
الله وبحمده ..أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق