بسم
الله الرحمن الرحيم
سورة
الروم
سورة
الروم مكية وعدد آياتها 60
..شأنها
شأن أخواتها السور في العظمة والبلاغة
..وكما
ذكرنا من قبل أن أسماء السور لا ترتبط
بشكل واضح بمعنى السورة إلا من خلال التدبر
والتفكر ..لمعرفة
سبب التسمية..
تبدأ
السورة بذكر غلبة الروم ..وهنا
فقط ورد اسم السورة ..وتبدأ
السورة ب الم ..وهي
جزء من مجموعة سور تبدأ بنفس الحروف
النورانية ..البقرة
وآل عمران ….ثم
تتسلسل العنكبوت والروم ولقمان والسجدة
..الحروف
النورانية أجمع العلماء على عدم الخوض
في معناها ..لأنها
سر وعطاء من الله لبعض عباده ..
ولكن
قد يراودني تفكير أن السور التي تبدأ بنفس
الأحرف هي منظومة واحدة لها نفس المضمون
والله أعلم ..
إن
أبسط ما يقال بوصف سورة الروم أن الأمور
بخواتيمها..
~§§
الروم(مكية)60
§§~
{الم{1}
غُلِبَتِ
الرُّومُ{2}
فِي
أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ{3}
فِي
بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن
قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4}
بِنَصْرِ
اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5}
نلا
حظ في أول 5
آيات
أن كل آية تتمتها في الآية التي تلتها
..وأول
قطع كان يفيدتتمة المكان (في
أدنى الأرض)
وثاني
قطع يفيد تحديد الزمان (في
بضع سنين)
وثالث
قطع يفيد التتمة تحديد السببية او الخبرية
(بنصر
الله)..
ولا
يوجد صدف في القرآن فكل أمر لحكمة ..سبب
نزول الآيات هو عندما هزمت الروم أمام
الفرس ..وباعتبار
أن الروم من أهل الكتاب فقلب المسلم عليه
أن يقف مع من يعبد الله ..وحتى
لو كان على غير هدى ..وهم
أقرب لنا من المجوس عباد النار..
وأمر
آخر ..إن
هذه الآيات شملت أكثر من إعجاز ..فأولا
أن الروم فعلا غلبت مرة إخرى في بضع سنين
..و
الأمر الآخر أن أدنى الأرض وصفت البحر
الميت ..ولم
يعلم أحد أنها أخفض بقعة على الأرض إلا
في العصر الحديث ..وهذه
الآيات كانت بشارة للمؤمنين ليس فقط لأنهم
أرادوا أن تغلب الروم ..بل
كان المشركون حول المسلمين يعايروهم بذلك
ويقولوا سنغلبكم كما غلبت الروم ..فنزلت
هذه الآيات وكانت هذه الآيات بمثابة دعم
لموقف المسلمين ..وكانوا
ينتظرون هم والكفار ليروا كيف ستتحقق
النبوءة وحصل ذلك فعلا ..فخسأ
المشركون ..وشعر
المسلمون بالقوة ..وهذا
سبب النصر الحقيقي الذي شعر به المسلمون
...وفرح
المسلمون فعلا بنصر الله ..
إن
هذه الآيات ظاهرها يخبر عن نصر الروم
..أما
باطنها فهو رسالة لأهل الإيمان ..أن
النصر سيأتي مع الصبر ولكن الله أعلم أين
ومتى وكيف ولماذا وأن لكل مرحلة مكان
وزمان وكيفية وستدور الدوائر في النهاية
على الظالمين ...لكن
على المؤمن أن يثق بالله ..ولا
يأخذ الأمور بظاهرها ..فكما
كان فرح المؤمنين لوقوع النبوءة التي
أخبر بها القرآن فكانت نصرا ….وهكذا
على المؤمن عليه أن ينتظر ويرى كيف ستكون
كل الأمور لصالحه طالما هو متمسك بدينه
واثق بربه ...وأن
النصر في النهاية للمؤمنين ..الآن
نفهم لم كان تقطيع الآيات ..فكل
آية لم تنته إلا بالآية التي تليها ..وهكذا
هي الدنيا لننتظر ونرى كل أمر بم يكتمل
..وكل
آية من الله في الأرض هي لحكمة حتى لو كان
ظاهرها لغير فائدتنا ..فكانت
كل آية في أول 5
آيات
تكمل التي سبقتها لنعلم نحن مفهوم الصبر
,عدم
التسرع بالحكم..قبل
أن ينتهي الأمر كله ..واسم
الروم هو ليومنا هذا ذكرى .فالغلبة
الآن لهم وهم كانوا القوة العظمى أمام
المسلمين لقرون طويلة ..ولكن
علينا أن ننتظر أيضا لنرى ما ستؤول إليه
الأمور..فهم
فتنتنا كما ذكرت في سور العنكبوت..
سنرى
كيف أن السورة تتحدث جلها عن الظاهر
والباطن وعن الآيات التي تحتاج لتفسير
فيما بعد ..وأن
الأمور بخواتيمها ..ولكل
شيء موعد سيظهر حقيقته وينكشف بيانه..وأن
كل شيء سخره الله لحكمة يعلمها ليخدم
الهدف
{وَعْدَ
اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ{6}
يَعْلَمُونَ
ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ{7}
هاتان
الآيتان توضح بهما المعنى .فالله
لن يخلف وعده لمن استحق النصر في النهاية
..وأن
الناس يعلمون ظاهرا في الحياة الدنيا –
الكلام واضح وصريح – إذا ما المراد من
الكلام ؟؟أن الناس تحكم على الأمور بظاهرها
وأن الأهم للمؤمن هو الآخرة وفيها ستنكشف
الحقائق..وهي
شغل المسلم الحقيقي ..وأي
أمر آخر هو زبد ذاهب لا بقاء له ..
{أَوَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ
قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا
أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ
رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ
اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا
أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{9}
ثُمَّ
كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا
السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ
وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون{10}
هل
نرى رابطا بين هذا الكلام وبين الروم
؟؟بالطبع فهذا حال الروم في زماننا ..هم
عمروا الأرض بما لم يتخيله أحد في العصور
الغابرة فركبوا الأطباق وطاروا في الفضاء
إلخ ...ولكن
هل لهم من الإيمان بشيء؟؟ المهم العاقبة
في النهاية ..لقد
كان نصرهم فرح للمؤمنين في يوم من الأيام
بما يخدم هدف الإسلام ..لكن
عدا ذلك لا نفرح بطغيانهم وابتعادهم عن
الصواب ..فطالما
أن الأمر يخدم الآخرة فمرحبا به ..غير
ذلك علينا أن ننتبه لحقيقية الأمور ولا
نأخذ الأمور بظاهرها ..هم
أي الروم الآن أكثر قوة ومنعة ..ولكنهم
لن يعجزوا الله في الأرض حين تأتي ساعتهم
..فلينتظر
المؤمنون هذا اليوم ..
{اللَّهُ
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{11}
وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ
الْمُجْرِمُونَ{12}
وَلَمْ
يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء
وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ{13}
وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ
يَتَفَرَّقُونَ{14}
فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ{15}
وَأَمَّا
الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ
فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ{16}
إذا
هذا المصير الحقيقي وهذا الأمر الذي يجب
أن يشغل بال المؤمن ..نرى
المثل الذي ضرب أيضا فيه تدوير للأمور
فهو بدأ الخلق وهو الذي يعيده في الحياة
الدنيا ثم يرجعنا يوم القيامة وما الحياة
الدنيا إلا مرحلة من المراحل ..وستدور
الدوائر يوم القيامة على المجرمين هم ومن
أشركوهم مع الله..فليس
لنا من دون الله من ولي ولا نصير..وهذا
لب الموضوع ..ومعنى
المضمون والله أعلم ..
فَسُبْحَانَ
اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ
تُصْبِحُونَ{17}
وَلَهُ
الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ{18}
يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ
تُخْرَجُونَ{19}
وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ
ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ{20}
وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{21}
وَمِنْ
آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ{22}
وَمِنْ
آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن
فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ{23}
وَمِنْ
آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً
وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{24}
وَمِنْ
آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ
بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ
دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ
تَخْرُجُونَ{25}
وَلَهُ
مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ
لَّهُ قَانِتُونَ{26}
وَهُوَ
الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{27}
لنراجع
الآيات من 17-27
فماذا
نلاحظ ؟؟إن هذا الآيات التي ضربها الله
لنا جميعا فيها طباق ..بمعنى
الشيء وعكسه ..وما
الرابط بين هذا والمعنى ؟؟أن الله يجعل
في كل آية وضدها دليل وعلامة ..فالأمر
لا يرى من نقطة واحدة ..فالخير
كما هو في الصباح فهو في المساء أيضا وأن
الله يجعل السر في أمور لا نلقي لها بالا
ويأتي النصر من مكان لا تظهر أهميته
بوضوح..فكل
شيء يخدم هدفا أراده الله لحكمة باطنة
...فلنراجع
الأمثلة ...الصباح
والمساء,,العشاء
والظهر,,الحي
من الميت ..الميت
من الحي ..ثم
التراب ظاهريا مادة ليس لها حركة بل هي
مادة نسير عليها بامتهان..لكن
خلق الإنسان منها فإذا هو ينتشر ليتم
عمله ..وخلق
المرأة من الرجل بالرغم من أنها عكسه في
الحياة وضده فالذكر عكس الأنثى ..ثم
خلق السموات والأرض ..واختلاف
الألوان والألسنة كل ذلك لحكمة أرادها
الله ليكتمل العمل في النهاية بما يريده
الله ..ثم
المنام في الليل والنهار ..ثم
البرق خوفا وطمعا أيضا طباق ..ثم
يحيي الأرض بعد موتها بعد إنزال الماء
عليها ..كل
هذه الآيات لنوقن تماما أنما هي دعوة من
الله لنقوم بين يديه وبأمره..وأن
كل من في السموات والأرض يقنت ويستسلم له
..وأن
الخلق سيعود إليه في النهاية لتكتمل دورة
الحياة ..وله
المثل الأعلى …
{ضَرَبَ
لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل
لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم
مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ
فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ
كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ
نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ{28}
بَلِ
اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم
بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ
أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن
نَّاصِرِينَ{29}
إن
الذي جعل من كل مختلف آية تعمل تحت أمره
كيف نساويه بمخلوقاته التي جعل لها ضدا
وجعل منها ألوانا وأنواعا..فضرب
مثلا لهم كملك اليمين ..هل
يستوون هم وما ملكت أيمانهم في العطاء
..فهل
يجوز أن ما يملكون يشركون به عبيدهم
فيكونون فيه سواء ؟؟؟فإن كانوا هم العبيد
لله لا يرضون بهذا بالرغم من أن الرزق من
الله أصلا ولم يخلقوا شيئا منه ..فكيف
يرضى الله بما يشركون ؟؟؟إن الفاصل في
الموضوع هو العلم ..فمن
يعمل عقله سيرى ويفهم ويدرك ..وغير
ذلك فهم في ضلال وما لهم من ناصرين …
{
فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{30}
مُنِيبِينَ
إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ{31}
مِنَ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا
شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ
فَرِحُونَ{32}
بعد
هذه الآيات التي ضربت ..يأتي
هذا التوجيه الرباني للرسول صلى الله
عليه وسلم ...فليس
هناك ما يمكن أن يبدل خلق الله أو أمره
فكل شيء مكتوب وموضوع من الأزل أن الغلبة
للحق في النهاية ..فطالما
أن الله يقلب الأمور لصالح المؤمنين فليس
على الرسول صلوات الله عليه وسلامه إلا
التوجه لإقامة الدين الذي فطر عليه الناس
جميعا ..ولكن
البعض انحرفوا عن فطرتهم وأشركوا باتخاذهم
طرق بعيدة عن الحق وفرقوا أممهم وفرحوا
بظلمهم ..فليس
له عليهم من شيء .وكل
شيء بأمر الله ..
{َإِذَا
مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم
مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا
أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا
فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ
يُشْرِكُونَ{33}
لِيَكْفُرُوا
بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{34}
أَمْ
أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ
يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ
يُشْرِكُونَ{35}
وَإِذَا
أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا
بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ
يَقْنَطُونَ{36}
أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{37}
هنا
أيضا الضر عكس الرحمة إن الله يسخر الضر
والرحمة ليعلم البشر قدرة الله ويخدم
الهدف الرباني في النهاية أن يؤمنوا بالله
ويدركوا عظمته وقوته ..
ولكنهم
بدل أن يفهموا هذا التسخير ..كفروا
به بلا دليل أو سلطان على شركهم ..وهذه
طبيعة البشر أن يفرحوا بالخير ويقنطوا
بالشر ..ولكن
هذا البسط بالرزق آية من آيات الله لمن
يؤمن به ..
فَآتِ
ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ
لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{38}
وَمَا
آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي
أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ
اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ
تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُضْعِفُونَ{39}
اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ
مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{40}
ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{41}
قُلْ
سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ
كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ{42}
هذا
هو الهدف من البسط في الرزق ..أن
يذهب بمكانه الصحيح لذي القربى وحق المسكين
وابن السبيل ..هذا
هو المصرف السليم للرزق لمن أراد وجه الله
..ولمن
أراد العاقبة أن تكون خير له يوم القيامة
..فكما
ذكرت في البداية ان الظاهر لبعض الأمور
عكس باطنها ففي الأموال من يأخذ الربا
ليزيد من ماله فلا يزيد عند الله وأما من
دفع الزكاة فظاهريا ينقص ولكن في الحقيقة
هي تتضاعف عند الله يوم القيامة ..وهذا
هو المهم يوم القيامة من سيفوز عند الله.
وهؤلاء
المشركين الذين يظهر لهم أن شركاءهم
يخدمون مصالحهم فهل يستطيع شركاؤهم أن
يخلق أو ينزل رزقا دائما أو يميت أو يحيي
؟؟هذا هو الفاصل في الحق ..ولكن
الفساد ظهر كما يظهر الباطل ويبطن الحق
في كل زمان إلى أن يحقه الله في النهاية
..وكما
هي عاقبة المشركين إلى زوال..
{فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن
قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ
لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ
يَصَّدَّعُونَ{43}
مَن
كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ
عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنفُسِهِمْ
يَمْهَدُونَ{44}
لِيَجْزِيَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ{45}
يكرر
له هنا أقم وجهك للدين القيم ..سيأتي
يوم يأخذ كل حسابه ولن يعود ليغير شيئا
قد قدمه في الدنيا ..فمن
كفر فعليه كفره ..ومن
أصلح فقد مهد لنفسه في الدنيا ..وهذا
هو الجزاء الباقي ..وهذه
هي العاقبة الخير للمؤمنين ..
وَمِنْ
آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ
مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن
رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ
بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ
وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{46}
وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى
قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ
فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا
وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ{47}
اللَّهُ
الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ
سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء
كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً
فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ
فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{48}
وَإِن
كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ
عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ{49}
فَانظُرْ
إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ
يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{50}
وَلَئِنْ
أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً
لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ{51}
هذه
آيات الله في الرياح التي تبشر بقدوم
الخير ..وتسير
السفن بها لنشكر الله على فضله ..كما
أرسل الرسل ليبشروا بدين الله فكفر بهم
البعض وأخذوا جزاءهم ..هذه
الآيات المختلفة تبين كيف أن الله بآية
واحدة يسخرها بأشكال مختلفة ولأهداف
مختلفة ..فهذه
الرياح أيضا تثير السحاب أي تدفعه ليتجمع
..فينتشر
في السماء ..ويتفرق
بها ليخرج منه المطر ويستبشر الناس به
..فهل
كنا نظن أن هذا الهواء له كل هذه الأفضال
؟؟ ولكن كما قلنا سابقا أن الظاهر قد لا
يعكس الحقيقة وستظهر في النهاية كما أن
هذه الرياح تسبب الحياة للأرض في النهاية
..ولو
أن الآية نفسها انقلبت ضدهم يئسوا وكفروا
بالله ..فكأن
الناس تريد الخير أولا وأخيرا ..وتطمع
بفضل الله بلا إيمان حقيقي ليستحقوا هذا
الخير .
{فَإِنَّكَ
لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ
الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا
مُدْبِرِينَ{52}
وَمَا
أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ
إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ
بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ{53}
اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ
جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ
جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً
وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ{54}
هؤلاء
الكفار لن يغيروا ما بأنفسهم فقلوبهم
القاسية تشبه قلوب الموتى لا تتأثر بالحق
وآذانهم كالصم لا تسمع الحق ..وعيونهم
تعمى عن رؤية الصواب ..فلن
يتغيروا أبدا ..ونهايتهم
حتمية ..أما
من يؤمن بالآيات هم الأجدر بسماع الحق
..وهذه
الحال التي تتقلب وتدور بين الحق والباطل
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وكل شيء
يبدأ بضعف ثم يقوى ثم يعود ضعيفا ليذبل
وينتهي ..ليعود
الأمر لله وهذه سنة الله في الكون ..
{وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ
مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ
كَانُوا يُؤْفَكُونَ{55}
وَقَالَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ
لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ
إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ
الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ{56}
فَيَوْمَئِذٍ
لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ{57}
وَلَقَدْ
ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ
مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم
بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ{58}
كَذَلِكَ
يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ{59}
فَاصْبِرْ
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا
يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا
يُوقِنُونَ{60}
في
ختام هذه السورة لنستعرض ما قلنا أن الغلبة
في النهاية للحق وأن الأمور لها ظاهر
وباطن ولا يظهر الحق إلا في النهاية ..وأن
لله آيات في الأرض يسخرها كيف يشاء لهدف
معين وله حكمة في كل شيء وكل شيء يحصل بأمر
الله ..ليحق
الحق ولو كره الكافرون ..ثم
في آخر الآيات يظهر أن من لا يؤمن بالله..
لا
يدرك آيات الله التي أظهرها له ولم يفهم
غاية الله منها ولم يرها بعين بصيرة بل
بإحساس ميت ..وحتى
أنهم سيقسمون أنهم ما لبثوا غير ساعة
..لأنهم
قد خاضوا في الدنيا والتهوا فلم يفقهوا
سبب وجودهم ولم يشعروا بقيمة الوقت والعمر
الذي أعطاهم الله إياه ليوحدوه به ..فلن
يقبل منهم عذر ..بعد
أن ظهرت لهم هذه الآيات ليوقنوا بالله
..بل
كانوا يكذبوها وينكروها ..وهم
كما قلنا قلوبهم كقلوب الموتى وطبع على
قلوبهم فلن يؤمنوا ..وفي
النهاية أن وعد الله حق ..آت
لا محالة وهؤلاء الكفار لا قيمة لهم عند
الله ولا يؤثروا بحكم الله في الأرض ..لأن
الحق سينتصر في النهاية ..
لا
بد أن ندرك الآن أن كل شيء وضعه الله في
الكون غاية ظاهرة وغاية باطنة ..وأن
العاقل من يعتبر ويفهم
سبحانك
اللهم وبحمدك أشهد أن لا غله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله ..